أين الشهامة – شارل أيوب – الديار

اخترع الرئيس نجيب ميقاتي سياسة النأي بالنفس عن الازمة في سوريا، ووافقه اطراف كثيرون على النأي بالنفس عن الازمة السورية، وكيف يستطيع لبنان النأي بالنفس عن ترددات الازمة السورية، وهو يرتبط فيها جغرافياً وبشرياً وعلى طول الحدود وعبر الانهر، وعبر التجارة والمصالح المشتركة، فكيف يمكن ان نمارس سياسة النأي بالنفس وسط هذا التواصل التاريخي بين لبنان وسوريا، تاريخاً وجغرافيا. لذلك يستحيل النأي بالنفس.

ولعل سياسة النأي بالنفس هي سياسة خاطئة، فلبنان كان يجب ان يقف الى جانب سوريا الدولة، اذ مهما فعلنا لا نستطيع منع ترددات الازمة السورية من الوصول الى الساحة اللبنانية، واذا استطاع لبنان استيعاب ردات الفعل سنة 2012، عن الازمة السورية، فانه سنة 2013 لن يستطيع النأي بالنفس عن الازمة السورية.

كيف يكون النأي بالنفس، وقد اصبح 210 الاف لاجىء سوري على الاراضي اللبنانية، كيف يمكن النأي بالنفس وطوال 30 سنة كانت سوريا تلعب دوراً كبيراً في لبنان وكان على لبنان كدولة ان تأخذ موقفا الى جانب الدولة السورية، وتقدم لها ما يساعدها على حل الازمة، على الاقل ان يلعب افرقاء لبنانيون دور الوسيط، لكن سياسة النأي بالنفس هي سياسة خطيرة توصل لبنان الى الحياد في الصراع العربي الاسرائيلي. فبين المطالبة بنزع سلاح المقاومة وبين المطالبة بالنأي بالنفس عن سوريا، وبين تنفيذ القرار 1701 ووضع قوات دولية جنوب الليطاني وعلى الخط الازرق، فان لبنان يسير نحو الحياد الذي سيدمره لاحقاً، ويجعل من لبنان دولة ضعيفة جداً.

انه من المعيب ان تقف الدولة اللبنانية ولا تبادل الدولة السورية الاعمال التي قامت بها لحفظ الامن في لبنان والغاء الميليشيات وقيام الدولة من جديد، واجلاء الحكومات من حكومة الحص الى حكومة العماد عون، وخلال وجود الجيش السوري في لبنان، اصبح عديد الجيش اللبناني 60 الف جندي، واصبح عديد قوى الامن الداخلي 23 الفا، وهكذا فان النأي بالنفس هو نكران للجميل، ونكران لمبدأ العرفان الذي قدمته سوريا للبنان، عندما الغت الميليشيات كلها وجعلت الجيش اللبناني يفرض سيطرته على كل الاراضي اللبنانية، وهو نكران للجميل لان سوريا دعمت لبنان في المقاومة لتحرير الجنوب، اضافة الى دعم لبنان استراتيجيا كي يحصل اتفاق نيسان، فيمنع اسرائيل من القصف خارج منطقة الشريط الحدودي طالما ان معارك التحرير ضمن الشريط الحدودي من المقاومة ضد اسرائيل، ولولا اتفاق نيسان الذي رعاه الرئيس حافظ الاسد لما تم تحرير لبنان، لان اتفاق نيسان اجبر اسرائيل برعاية اميركية وبوجود الوزير كريستوفر الاميركي في شتورا على توقيع اتفاق بأن لا تقوم الطائرات الاسرائيلية بضرب وقصف مناطق خارج الشريط الحدودي، والا فيكون من حق المقاومة اذا قامت اسرائيل بذلك قصف مناطق في الجليل وفي قلب فلسطين المحتلة.

كان على الدولة اللبنانية ان تقدم مساعدات انسانية للشعب السوري وان تقف الى جانب الدولة السورية، وهكذا في ظل هذه الاجواء، رأينا الجميع او الاكثرية التي كانت متحالفة مع سوريا تنكروا لها، ولم تعد تعرف لا الرئيس بشار الاسد ولا جيش سوريا ولا دولة سوريا. وهذا الامر لا يمكن القبول به لان لبنان وسوريا مصيرهم واحد. الا اذا اعتبرنا ان اسرائيل ليست عدوا لنا، ذلك ان حركة 14 اذار وافقت على القرار 1701 مثل المقاومة، ولكن كل واحد من منظاره، فحركة 14 اذار ارادت القرار 1701 قرارا تمهيديا لنزع سلاح المقاومة بينما المقاومة اعتبرت القرار 1701 اقرار لاسرائيل بهزيمتها.

اما النأي بالنفس عن ازمة في بلد عربي شقيق مثل سوريا، فهو مبدأ يشبه الخيانة، فان لبنان سنة 1973 وضع رادار الباروك بتصرف سوريا، فقصفته اسرائيل، ووضع الامكانات الطبية كلها في لبنان بتصرف سوريا، ووضع امكانيات الطحين في تصرف سوريا، وصحيح ان لبنان لم يشارك في حرب 1973 الا انه وقف مع سوريا في وجه العدو الاسرائيلي.

صحيح ان الازمة في سوريا داخلية والنأي بالنفس هو قرار سياسي، لكن عندما تقوم الحملات والهجومات على الجيش السوري من مسلحين ومن غرباء يدخلون الى سوريا ليقاتلوا بهذا الشكل الجيش النظامي ويدمرون اجهزة الدولة السورية، فكيف نقبل بالنأي بالنفس.

ان النأي بالنفس يعني ان لبنان قرر الخروج من واقع الشرق الاوسط وواقع الصراع مع اسرائيل، وغداً ستصبح سياسة النأي بالنفس عن الازمة ثابتة عن الصراع مع اسرائيل والنأي بالنفس عن سوريا، وبالتالي يصبح لبنان بلدا تجاريا ونحن نريده تجاريا لكن ان يكون له مقومات القوة والصمود.

وربّ قائل، كيف نقوم بدعم سوريا وهي في صراع داخلي، وجوابنا هو ان الاعلام اللبناني انحاز الى المسلحين الذين يقتلون الجيش النظامي السوري، وان احزاباً انحازت الى معارضة تريد القيام بانقلاب ضد النظام السوري، وان احزاباً مرتبطة بالخارج والظلامية تريد اسقاط النظام السوري.

ان لبنان مطالب بالوقوف الى جانب سوريا الدولة، والى جانب الرئيس بشار الاسد وجيشه، وتقديم الدعم الاعلامي الحقيقي في مواجهة الاعلام الحاقد على سوريا، وتقديم كل الامكانيات الطبية، وتقديم الامكانيات المعيشية، وتقديم البسة شتوية، وتقديم كل مساعدة يمكن القيام بها لان سوريا ولبنان بلد واحد، ومصير واحد، وسنة 2013 مهما فعلنا فلن نستطيع الهرب من ترددات الازمة السورية.

كيف لا واللاجئون 210 الاف، كيف لا والمسلحون يتسللون الى سوريا، كيف لا وسوريا البلد الكبير جارة لبنان تعيش ازمة تاريخية ونحن نقول علينا النأي بالنفس واغماض اعيننا وعدم النظر الى الجرح السوري النازف.

قد نعارض الرئيس بشار الاسد في سياسة داخلية لبنانية، قد نعارض سوريا في أمور معينة، ولكن كيف نقوم بالنأي بالنفس عندما تكون سوريا جريحة، عندما تتعرض سوريا لأكبر نكران جميل عربي ضد سوريا، فسوريا قدمت من الشهداء ما يوازي شهداء العرب، وسوريا تصرف 80% من موازنتها كي لا توقّع اتفاقا يتنازل شبرا عن طبريا، بينما مئات المليارات لدى الدول العربية تستطيع مساعدة سوريا على الصمود ولا يتم تقديم شيء لها.

ان سيادة الدولة اللبنانية مفقودة، وان ردّة الفعل على إزاحة الرئيس سعد الحريري من رئاسة مجلس الوزراء عبر معاقبة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي هي حكومة لبنان، والنأي بالنفس عن لبنان وترك لبنان والطلب من كل الرعايا في الدول العربية مغادرة لبنان، ما هو الا موقف عربي جاهل يعرّض كل دولة عربية للخطر.

ان من واجب لبنان سنة 2013 ان يقف الى جانب الرئيس بشار الاسد والى جانب الدولة السورية، ونحن نعتبر ان حكم الظلام وحكم الحقد هو اخطر بكثير من النظام الديكتاتوري او الاحادي، لانه صحيح ان في سوريا نظام احادي ايمارسه شخص واحد هو الرئيس بشار الاسد ونحن نطالب ان تشارك المؤسسات بدورها فعليا لا كلاميا في القرار السوري حتى لو قالت سوريا ان لديها مؤسسات لكن نحن نعرف ان هذه المؤسسات لا تفعل فعلاً حقيقياً بل كل شيء هو في يد الرئيس بشار الاسد. انما الواقع الحقيقي ان يكون الحكم احادي هو افضل من ان يكون الحكم ظلاميا والحكم ديكتاتوريا من جهة يريد العودة بنا الى ظروف لم يعد المجتمع يتحملها بماضيها بل يريد الحداثة والتقدم وقيام مجتمع مدني وتعددي ويحترم حرية الرأي والمعتقد.

ان الخطة الدولية هي ان يقول لبنان انه ينأى بالنفس عن سوريا، وان يقول لبنان ان الحدود مع الدولة الفلسطينية انتهت عند الخط الازرق وهو ليس الحدود لان الخط الازرق شيء والحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان امر آخر.

ومن الغباء الاعتقاد اننا نستطيع النأي بالنفس عن الازمة السورية، فسيصبح عندنا مليون لاجىء سوري سنة 2013، ومع ذلك ومع كل ما يحدث في سوريا قاطع المسؤولون اللبنانيون سوريا، حتى اننا لم نجد طوال 21 شهر، ولا مسؤولا كبيرا زار سوريا وسألهم عن أحوالهم، سألهم عما يحتاجون، سألهم ماذا يستطيع لبنان أن يقدم، حتى التعاطي مع المعارضة مسموح، والوساطة اللبنانية مع المعارضة ضرورية، ولماذا لا يلعب لبنان دورا تاريخيا في محاولة المصالحة بين المعارضة والحكم في سوريا، وهو من مؤسسي الجامعة العربية، وهو اساس النفضة العربية وهو من وقف في وجه التتريك ومنع العثمانيين من فرض اللغة العثمانية علينا، وذلك بفضل نخبة لبنانية مثقفة ونخبة سورية مثقفة.

بين الدولة السورية وصراعها مع الاخوان المسلمين، فان النأي بالنفس هو خيانة، وانه من المعيب علينا بعد 30 سنة من دعم سوريا لنا، رغم المآخذ على أخطاء يحاولون تكبيرها الى ابعد الحدود مع ان سوريا قدمت وضحّت في سبيل لبنان الكثير، لكن يجب الوقوف مع سوريا ومبادلتها كل عمل تحتاجه في هذا الظرف الاليم، في ظل المقاطعة العربية كلها، اذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي تمنعنا من الذهاب الى سوريا، فنحن نطالب الرئيس ميشال سليمان ان يزور الرئيس بشار الاسد خاصة ان رؤساء الدول العربية قاطعوا الرئيس بشار الاسد، وان يقف معه في قصر الشعب ويقول له يدي في يدك للدفاع عن سوريا ولبنان، ونحن نطالب الرئيس نبيه بري بأن يزور مجلس الشعب السوري وان يعلن خطابا فيه بأن لبنان يتضامن مع الدولة السورية، ونحن نطالب الرئيس نجيب ميقاتي بأن يزور سوريا، ونحن نطالب وزير الداخلية بأن يزور سوريا، ونطالب وزير الدفاع بأن يزور سوريا، والا ما هي هذه العلاقة بين لبنان وسوريا حيث يتصرف لبنان كأن ازمة سوريا في نيجيريا، او كأن ازمة لبنان في الكونغو، فكيف يقاطع كل المسؤولين اللبنانيين سوريا ولا يقوم وزير واحد بزيارة سوريا.

من اوقف الحرب على المسيحيين ومنع خطة ان تمر طريق فلسطين في جونيه، من اوقف الحروب الداخلية وقام بجمع الدبابات والملالات والمدفعية من الميليشيات. وربّ قائل متآمر ان سلاح المقاومة باقٍ، ونحن نقول من المعيب تشبيه سلاح المقاومة الذي يقاتل اسرائيل بالمدفعية والدبابات التي كانت تقصف من الجبل الدرزي على الجبل المسيحي ومن الجبل المسيحي على الجبل الدرزي والتي كانت تقصف من زغرتا على طرابلس ومن طرابلس على زغرتا، والتي كانت تقصف من الاشرفية على البربير، ومن البربير على الاشرفية، والمتآمرون يطرحون هذا القول، اما من يريد ان يعطي الحق الساطع فهو ان سوريا هي التي الغت دولة الميليشيات في لبنان واقامت دولة، وطبعا ليست دولة مثالية، وارتكبت سوريا اخطاء ولا احد ينكرها، ولكننا نحن في لبنان اليوم في ظل جيش وقوى امن داخلي تم بناؤه في ظل سوريا، انا ضابط في الجيش اللبناني، انقسم الجيش اللبناني وذهب المسيحيون الى مناطقهم والمسلمون الى مناطقهم وعندما قاموا بجمع الجيش دخل الجيش السوري واقاموا مخيم الالفة وكان اول مخيم في لبنان، حيث كان الجيش السوري يحمي المخيم وكان يأتي الضابط المسلم والمسيحي الى المخيم تحت خوف القتل من جديد، ثم قام الجيش السوري باطلاق مخيم الاغرار فضم 5 الاف عنصر من الجيش وكان حوله حوالى عشرة الى 15 الف جندي من الجيش السوري يمتدون من صوفر الى حدود الحازمية – الصياد. وفي هذه المنطقة تم اعادة بناء الجيش اللبناني الذي انقسم في الحرب.

اقول والله شاهد والجيش اللبناني يشهد على ذلك، ثم ان المقاومة ضد اسرائيل، من دعمها ومن اخرجها من بيروت والمناطق الاخرى الا دعم الجيش السوري للمقاومة، وما كانت المقاومة حزب الله وحدها بل كانت المقاومة مقاومة الشعب اللبناني بأحزاب عديدة. هل يعقل ان يأتي عيد الميلاد ونحن العرب في لبنان وسوريا لا نزور بعضنا ولا نسأل عن جروحات بعضنا، ولا نسأل عن سوريا التي كانت داعمة لنا حتى تحرير الجنوب وفي حرب تموز وجعلتنا دولة نردع اسرائيل فيما الجنرال ديغول مع تقديمه لطائرات الميراج والصواريخ وضغطه على اسرائيل لم يستطع ردع اسرائيل عن لبنان، فاذا بسوريا تدعم المقاومة وتجعلها تنتصر على اسرائيل في حرب تموز 2006؟

انا اقول للرئيس نجيب ميقاتي وللرؤساء، ان النأي بالنفس هو مبدأ جعل لبنان خارج الخارطة العربية وبداية اتفاق مع اسرائيل لمعاهدة هدنة او سلام او غيرها لا اعرف، لكن واجبك يا دولة الرئيس نجيب ميقاتي ومن واجب فخامة الرئيس ميشال سليمان ومن واجب الرئيس نبيه بري والوزراء زيارة دمشق وسؤالهم عن جروحاتهم وحاجاتهم لانهم ونحن مصيرنا واحد، وهذه الدولة السورية ولو كانت احادية فيجب علينا السعي نحن كلبنانيين ان نعارض الاحادية وان نتمنى على الرئيس الاسد اشراك المؤسسات، ولكن من منطلق المحبة وليس من منطلق الذبح والقتل والطائفية بل من منطلق الاخوّة القومية بين لبنان وسوريا وهذه الاخوّة لن يوقفها احد وستعود ومهما حصل فمصير لبنان وسوريا واحد، كما نهر العاصي ينبع من لبنان ويجتاز سوريا، وكما الجبال والثلوج تنهمر على السلسلة الشرقية فتولد نهر بردى باتجاه دمشق، هذا هو مصير لبنان وسوريا واحد. اما النأي بالنفس فهو عار علينا عندما نغمض اعيننا نقول لا نريد ان نرى ما يحصل في سوريا ولا نريد ان نرى جراح سوريا، بل فقط نريد سوريا ان تعطينا اجازات لتراخيص شقّ طرقات وتراخيص خليوي واعطاءنا مراكز وزارات ونيابات ومراكز نيابية وادارات عامة ونستعمل سوريا للطعن ببعضنا البعض اما عندما تصاب سوريا بالسيارات المفخخة والتفجيرات فنحن نغمض اعيننا ونقول يجب النأي بالنفس.

والله اخيرا اقول عيب على كل لبناني عربي يقول انا اتبع سياسة النأي بالنفس، اما انا شخصيا فليس لدي الا لغة الكلمة، فأقول انا مع سوريا حافظ الاسد، وانا مع سوريا المقاومة والممانعة، وسوريا رفضت ان توقّع اتفاقا مع اسرائيل رغم كل الاغراءات لان ما عرضته اسرائيل على سوريا هو اضعاف ما عرضته على مصر والاردن اللتين وقعتا اتفاقا واضعاف ما عرضته على ابو مازن لكن الرئيس حافظ الاسد انشأ مدرسة قومية تستمر رغم بعض الاخطاء، لكن سوريا هي قلب العروبة والجامعة العربية ليست الا جامعة صهيونية من دون سوريا، وحتى على لبنان عليه ان يخرج من الجامعة العربية ويقاطعها، هذا هو الموقف اللبناني العربي هذا هو الموقف القومي. رب قائل اني مخطىء لكني مقتنع ومقاتل في سبيل هذا الهدف.