ماذا تعرفون عن العماد جان قهوجي – حنان الملا


على قاعدة عرفت شيئا وغابت عنك أشياء يتعاطى بعض السياسيين مع قيادة الجيش اللبناني في الآونة الأخيرة فلا يتورعون عن توجيه سهامهم إلى المؤسسة العسكرية، انتقادا وهجوما وتحريضا، وحتى شتما وقدحا وذما في بعض الأوقات من ذوي النفوس المريضة بعقدة الدونية لتحقيق مآرب سياسية معينة أو مصالح انتخابية ضيقة.




فماذا تعرفون عن المؤسسة العسكرية وإنجازاتها؟ ماذا تعرفون عن قائدها؟

أولا وبالعودة إلى صفحات التاريخ القريب ليس خافيا على أحد أنه حين تم انتخاب القائد السابق للجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية وفق تسوية الدوحة بعد أحداث 7 أيار 2008 الشهيرة الدامية، لم يكن اسم القائد الحالي العماد جان قهوجي مطروحا بعد لتولي القيادة ، بل انحصرت الأسماء المتداولة يومها في الكواليس وعلنا وبالسر بين 3 أو 4 ضباط طرح أسماؤهم السياسيون وكان كل اسم منهم محسوبا على طرف ، أو مدعوما من طرف آخر في إطار التجاذبات والصراعات السياسية ومحاولات استمالة المؤسسة العسكرية كُلا إلى جانبه، فكان لا بد من قرار واضح وجريء يحسم الجدل لمصلحة المؤسسة العسكرية فقط وتماسك جيشها ووحدته وبعيدا عن الزواريب السياسية والحسابات الشخصية.

أخرج وزير الدفاع الوطني آنذاك الياس المر ورقة الجوكر الرابحة التي خبأها للوقت المناسب كي لا يحرقها وسط التجاذبات، فكانت تحمل اسم العميد جان قهوجي.

كانت للمر مبرراته الصلبة والقوية لهذا الاختيار، فقائد اللواء الثاني آنذاك وإن كان غير معروف من القادة السياسيين التقليديين الذين اراد كل منهم قائدا قريبا منه لمحاولة تطويع الجيش لمصلحته، فهو معروف في صفوف الضباط مقداما شجاعا يخوض مواجهاته في مقدمة جنوده، ولطالما حلم ببناء مؤسسة عسكرية قوية ومتماسكة مؤسسة رائدة وقائدة بكل ما للكلمة من معنى لا نفوذ للسياسيين فيها، ولا كوتة، ولا منّة لأحد عليها.

اعترض بعض الفرقاء السياسيين على الطرح، فتحفظ حزب القوات والحزب الاشتراكي وأحد وزراء حزب الله على الشكل ، لكن رغم ذلك تم إقرار مرسوم التعيين في جلسة مجلس الوزراء ليل 29-08-2008 وسط انقسام سياسي نسبي وإجماع عسكري ووطني على وجوب أن تكون مصلحة الجيش أولا هي الأولوية.

عين العماد جان قهوجي القائد الثالث عشر للجيش اللبناني على وقع التفجيرات المتلاحقة والغادرة التي استهدفت المراكز العسكرية في البحصاص والتل، وأثبت بالممارسة العملية وخلال مدة قصيرة أنه لا يميّز بين لبناني وآخر ولا بين منطقة وأخرى إلا على قاعدة حفظ السلم الأهلي والوحدة الوطنية الممنوع على أي كان مهما علا شأنه المس بها وزعزعتها.

ولأن للرقم 13 رمزيته كان أن فتح كل أبواب الجحيم على البؤر الإرهابية والعصابات الإجرامية التي تجرأت على المس بالسيادة الوطنية والمؤسسة العسكرية.
أراد قهوجي منذ اليوم الأول لإعلانه "الأمر لي" أن يكون رد الجيش حازماً وسريعاً وعلى مستوى هذه الأحداث الخطيرة، فأدى إصراره على سوق المجرمين إلى العدالة إلى توقيف معظم أفراد الخلية الإرهابية الضالعة في التفجيرات المذكورة بتاريخ 12/10/2008، ليتحقق بذلك الوعد الذي أطلقه وهو يتفقد مكان انفجار البحصاص، حين أكد بأن الجناة لن يفلتوا من يد العدالة، وأن أي تطاول على الجيش أو اعتداء على المواطنين لن يمرّ من دون ردع وعقاب قاس يكون عبرة لكل من تسول له نفسه العبث بالاستقرار الداخلي.

وأمام الإصرار على الحفاظ على السلم الأهلي ومكافحة الإرهاب بكل السبل والإمكانات المتوفرة على ضآلتها، أوقف الجيش العديد من شبكات التجسس للعدو الإسرائيلي فاقت ال30 شبكة بعض أعضائها موظفون رسميون، ومهندسو اتصالات، وحتى ضباط خانوا عهد مؤسسة الشرف والتضحيات وانغمسوا في وحول العمالة فكان أن اجتثهم مؤسستهم من صفوفها وقدمتهم للمحاكمة بكل جرأة وتصالح مع الذات.

تابع الجيش عمله وإنجازاته بقيادة العماد جان قهوجي بكل إقدام، فكشف العديد من الشبكات الإرهابية متعددة الجنسيات التي هددت أمن الوطن وخططت لاستهداف المؤسسة العسكرية وبعض الشخصيات العامة وتجمعات شعبية لإحداث فتنة وبث التفرقة في المجتمع، فقبض على معظم أفرادها وقدمهم للمحاكمة.

أوقف باخرة لطف الله 2 المحملة بالأسلحة والذخائر في مرفأ طرابلس، ودخل إلى عمق الضاحية الجنوبية وأنهى حالات الشواذ فيها وحرر المخطوفين الأتراك والسوريين من قلب منطقة لطالما كانت بؤرة أمنية ممنوع على الدولة دخولها، وفكك الأجنحة العسكرية و طيرها من شاشات التلفزة إلى زنزانات السجون، توجه إلى البقاع فألقى القبض على عصابات الخطف وزعمائها، ومنها تفرغ لشبكات سرقة المصارف التي أطلقت إحداها النار على النقيب البطل ريان الجردي أثناء القيام بمهامه، فقبض على جميع أفرادها، كما قبض على قاتل المقدم الشهيد عباس جمعة من عمق الضاحية الجنوبية، ورغم الاستهدافات المتكررة لضباطه وعناصره وجنوده قولا وفعلا، لم يمنعه هذا عن القيام بواجباته في بيروت وصيدا والشمال أثناء المواجهات العسكرية والأحداث الأمنية المتكررة والمتنقلة التي أرادت في أحد أهدافها شل قدرة المؤسسة العسكرية عن العمل وإضعافها وتشتيتها تمهيدا لفرض أمر واقع على الأرض يتمثل بتحكم الميليشيات المسلحة ببقع ومناطق معينة، فكان الجيش بالمرصاد حاضر كما دائما للذود عن الوطن، والتصدي لكل أنواع الإخلال بالأمن وتهديد المواطنين والسلم الأهلي والعيش المشترك، وأثبت القائد مرة جديدة أنه في الميدان لا صوت يعلو عنده على صوت واجب صون الوطن والدفاع عن أمنه وحماية مواطنيه، فلا دولة قوية بلا جيش قادر على فرض هيبته وحضوره، ولا جيش فاعل وقوي بلا ارادة وطنية تلتف حوله وتحميه وتحتمي به.

 

هذا بعض ما تعرفونه أو تتذكرونه عن إنجازات الجيش اللبناني في عهد العماد جان قهوجي في السنوات الأربع الماضية، أما ما لا يعرفه الكثيرون ممن يتشدقون بهجومهم على المؤسسة العسكرية وقيادتها إلى حد مطالبتهم بتشكيل جيش طائفي رديف، فهو ما سألخصه في 3 محطات مهمة من محطات كثيرة خاضها العماد قهوجي:

في 13 ت1 1990 خاض (النقيب) جان قهوجي قائد الكتيبة 103 في اللواء العاشر المجوقل معركة بطولية مع جنوده على جبهة ضهر الوحش ، صمدت جبهته طويلا وخاض أعنف المواجهات باللحم الحي ضد قوات الجيش السوري المحتل ، وطبعا غني عن القول أنه لم يكن يملك راديو حينها ليضبطه على إذاعة صوت لبنان ليستمع لقائد الجيش وقتها ميشال عون وهو يطلب من الضباط والجنود الاستسلام ووقف النار بعد وصوله آمنا إلى السفارة الفرنسية تمهيدا لسفره بعد أن كان وعد بأنه سيكون آخر من ينسحب من أرض المعركة، فكان أول الهاربين.

أما النتيجة فمجزرة ودماء كان يمكن تفاديها وأبطال تبكيهم عائلاتهم حتى اليوم كل ذنبهم أنهم نفذوا الأوامر العسكرية بحذافيرها وأدوا واجبهم ببسالة وشجاعة.

 

ولعل أسمى تعبير عن هذه البطولة تجلى في جلسة مجلس الوزراء في 29 08 2008 حين سأل اللواء الوزير عصام أبو جمرا عن مؤهلات العميد جان قهوجي التي تؤهله لتولي قيادة الجيش، فجاءه الجواب حاسما وحازما من وزير الدفاع، الشهيد الحي الياس المر : " إنّه يحمل شهادة إبقائك والعماد ميشال عون على قيد الحياة، فلولا صموده على جبهة ضهر الوحش، لما كنتَ نجحت في الوصول الى السفارة الفرنسية".

بعد معركة ضهر الوحش عوقب النقيب قهوجي على بسالته وشجاعته ودفاعه عن أرضه ووطنه فاعتقلته القوات السورية وسجنته في أحد المعتقلات، إلى أن أطلق سراحه لاحقا مع رفاقه بمسعى من الرئيس الياس الهراوي..

وعلى خلفية هذه المعركة التاريخية أيضا أقصي النقيب قهوجي عن المراكز الرئيسية في الجيش حتى 12 تشرين الأول 1992 ، فليلة الذكرى الثانية لحرب 13 تشرين تم تعيينه تعيينه قائدا للفوج المجوقل الذي عمل على تأسيسه وجعله من أفواج النخبة التي تفخر بها المؤسسة العسكرية حتى اليوم.

 

المحطة المفصلية الثانية في حياة العماد جان قهوجي كانت في حرب تموز 2006،

كان متمركزا مع جنوده في منطقة الزهراني، رفض سحب وحداته تحت وابل القصف والاستهداف الإسرائيلي وبقي معهم في المواجهة في الصفوف الأمامية وحفر معهم خنادق يلجأون إليها حين تستهدف المقاتلات الإسرائيلية مراكز الجيش اللبناني. ثم بعد انتهاء حرب ال33 يوم، أشرف شخصيا على تنفيذ بنود القرار 1701 وواكب انتشار الجيش من شمال الليطاني حتى جنوبه، ففاجأت جهوزيته وسرعة تنفيذه ودقة التزامه الكثيرين في الداخل والخارج.

أما المحطة الثالثة البارزة فكانت في معركة عديسة الشهيرة ظهر 3 آب 2010 ملحمة بطولية أخرى اظهرت يومها مستوى كبيرا من الاعتداد والاعتزاز بالجيش وببسالة جنوده الذين أبدوا شجاعة في مواجهة عدو يتفوق عليهم في عتاده ولكنه لا يرتقي الى مستوى عقيدتهم القتالية والارادة التي يحوزونها وايمانهم العميق والثابت في الدفاع عن الوطن.

الجيش بعد هذه المواجهة أصبح غيره قبلها. فقد اظهر لابناء الوطن قبل العالم كله انه في موقعه الصحيح وحيث يجب وفي اللحظة المناسبة.

كانت معركة عديسة التي خُطت بدماء جنودنا الأبطال وسام يعلّق على صدر كل عسكريّ ومواطن، وهي قبل ذلك كلّه، مثلت تأكيدا متجددا للثقة بنهج المؤسسة العسكرية ودورها الوطني. فالمواجهة بظروفها وحيثياتها المعروفة، لم تكن إلاّ تجسيدًا لقرار الجيش وقائده العماد جان قهوجي الحاسم والثابت، والقاضي بحماية إنجاز التحرير والدفاع عن لبنان، بكلّ الإمكانات ومهما بلغت التضحيات .

خط العماد جان قهوجي يومها بدم ابطال الجيش أولى بنود الاستراتيجية الدفاعية الوطنية عمودها الفقري الجيش المقاوم، فتحولت هذه الملحمة البطولية إلى الأساس الذي بنى عليه الرئيس ميشال سليمان تصوره اللاحق للاستراتيجية الدفاعية.

ومن هنا وأمام هذه المسيرة المشرفة والتضحيات، يصمت الكلام، ويصبح واجبا على كل مواطن لبناني شريف أن يسأل الشتامين والمتطاولين: ما هو تاريخكم؟ ما هي إنجازاتكم؟ وأين كنتم في المحطات المفصلية التي صنعت تاريخ الوطن وأمجاده ، حين كان جنودنا وضباطنا يرسمون ببزاتهم المرقطة حدود هذا الوطن وحريته وسيادته واستقلاله ويروون بدماءهم الذكية أرزته الشامخة وترابه؟