خلال النهار تزدحم شوارع العاصمة السورية بالسيارات والمتسوقين ويبدو الوضع طبيعيا لكنه ليس كذلك.. فبحلول الظهيرة يبدأ الناس التفكير في كيفية العودة للمنزل قبل الليل.
تسبب الطرق التي يسدها الجيش بشكل مفاجيء اختناقات مرورية. يهرع العاملون لترك المكاتب والتسوق من المتاجر ثم الوصول لمنازلهم قبل حلول الليل. الظلام هو الوقت الذي يخرج فيه الخاطفون بحثا عن ضحايا جدد كما تستعر الاشتباكات على مشارف العاصمة والتي باتت تقترب من قلب دمشق.
ولشهور ظل سكان دمشق يرقبون بتوتر بالغ انغماس مدينتهم أكثر في الصراع الدموي الذي تشهده سوريا.
وأسفر القتال عن تدمير الجزء الاكبر من مدينة حلب في شمال البلاد وأحرقت أجزاء من الحي القديم وسويت بالأرض. كما تحولت مساحات كبيرة من حمص إلى أنقاض.
قال ماجد (28 عاما) وهو عامل في فندق بدمشق "رأيت ما يحدث ولدي شعور كئيب بما سيحدث فيما بعد. نحن نخاف من القتل والتفجير.. نخاف من أن نضطر للفرار أو أن ينهبنا الجيش أو المقاتلون… ما الذي سيحدث للحي القديم الجميل؟ أتعذب حين أفكر."
أصبحت الانتفاضة التي تشهدها سوريا منذ 20 شهرا ضد الرئيس بشار الأسد تهدد أخيرا مركز سلطته. ويتحدث سكان عن أن مشاعر الخوف والقلق تسيطر على دمشق.
تبدأ ساعة الذروة المرورية الآن الساعة الثالثة بعد الظهر تقريبا قبل غروب الشمس بوقت طويل.
وقال أحد سكان دمشق طلب عدم نشر اسمه "تبدأ ساعة الذروة هنا في فترة مبكرة أكثر من أي وقت مضى. الشمس تغرب بسرعة في الشتاء ويريد الجميع الوصول إلى المنزل قبل الظلام… حتى رغم أن الكثير من الناس غادروا المدينة.. المرور في دمشق لم يكن بهذه الكثافة قط."
وتظهر مؤشرات مثل تكرار انفجار السيارات الملغومة والقذائف الطائشة التي تصل إلى العاصمة أن تحول دمشق إلى ساحة معركة أصبح مسألة وقت. ويسعى مقاتلو المعارضة إلى الزحف من معاقلهم عند مشارف المدينة إلى العاصمة ذاتها ورد الجيش بالهجمات الجوية والقصف المدفعي على الضواحي.
أغلب الناس لا يتركون منازلهم أو أحياءهم إلا للضرورة القصوى.
قالت علياء التي تعيش قرب المناطق الجنوبية المتوترة في العاصمة "أسمع انفجارات في أماكن مجاورة وأصبحت الآن مدوية جدا ومتواصلة وتجعل أي شخص يشعر بالتوتر."
وتابعت "في الأسبوع الماضي سقط صاروخ في الشارع الذي أسكن به. أعلم أن القتال يقترب. هذا القلق يسبب لي ألما بدنيا."
يقول سكان إنهم ليسوا وحدهم القلقين لكن الجيش أيضا. فقد أقيمت أسوار أسمنتية حول المباني الحكومية والأمنية كما أضيفت نقاط تفتيش أخرى في وسط المدينة الأسبوع الماضي. ومن المرجح أن يتم إيقاف أي شخص يعبر من حي لآخر في المدينة عند نقاط التفتيش ثلاث او أربع مرات على الأقل.
ويتحدث بعض ممن فروا إلى دمشق من مناطق أخرى متوترة في سوريا عن منعهم من حين لآخر من دخول بعض المناطق.
قالت أم محمود التي تسكن في حي الميدان المؤيد للمعارضة "حاولت دخول حي المزة لأرى أسرة شقيقتي وصدمت لأن الأمن لم يسمح لي بالدخول. قالوا إن السكان القادمين من خارج الحي ممن لديهم فقط عقد إيجار هم الذين يمكنهم الدخول حاليا."
وأطلق مقاتلو المعارضة حملة من حي الميدان في مارس اذار لكن الجيش قضى على هذه المحاولة خلال أيام قليلة. وتراجع المقاتلون إلى الضواحي والمناطق الريفية المحيطة بالمدينة حيث يعدون لإطلاق حملة جديدة. وهم يريدون الاستفادة من التقدم الذي أحرزه المقاتلون في أنحاء البلاد والذي غير ميزان القوى. ويبدو أن الجيش الآن يتخذ موقفا دفاعيا.
ورأى زائر لدمشق في الآونة الأخيرة بطاريات الصواريخ وهي تتمركز حول العاصمة ويقول نشطاء إن المزيد من البطاريات موجودة عند جبل قسيون المطل على المدينة والتي ستطلق على الشوارع في حالة دخول مقاتلي المعارضة.
ويقول سكان إن المظاهر العسكرية تتزايد ويبدو أن الجزء الأكبر من وسط دمشق في يد الجيش بشكل كامل. وما زال السكان يخرجون إلى المطاعم لكن فقط قبل حلول الظلام.
وأصبحت دمشق أكثر عزلة بشكل متزايد عن الضواحي. وكثيرا ما تغلق المتاجر أبوابها لأن الجيش يمنع إما وصول الإمدادات أو العاملين من الوصول للمدينة.
وقال الساكن الذي طلب عدم نشر اسمه "الكثير من العمال من الضواحي لا يمكنهم العودة للمنزل ليلا أو لا يمكنهم الذهاب إلى العمل في اليوم التالي. تذهب إلى مصفف الشعر يقال لك ’نأسف لعدم قدرة أي من العاملين على الوصول’.. تذهب إلى البقال يقال لك ’نأسف.. لا يوجد حليب.. لا يوجد لبن زبادي.. بائع الحليب لم يتمكن من الوصول’."
وأضاف "وفي المطعم سيقول لك مالكه ’ليس هناك داع للنظر في قائمة الطعام. سأقول لك أنا الأصناف الخمسة المتاحة’."
وفي هذه الفترة الحالية لا يشعر السوريون بالقلق فحسب بسبب مقاتلي المعارضة والجيش بل إنهم يخشون بعضهم بعضا.
إذ يجوب مسلحون تابعون للجان مراقبة محلية بحرية في الكثير من الأحياء القريبة من المناطق التي تعلن تأييدها لمقاتلي المعارضة. وترد يوميا انباء عن حوادث خطف وقتل.
ويسبب هذا التوتر شعورا عاما بالقلق وأصبحت شائعات عن عمليات للجيش ومقاتلي المعارضة تتردد دائما. وقالت علياء وهي ربة منزل تحدثت عبر سكايب إنها وأفراد أسرتها يشعرون بغضب متزايد وتشوش فيما يتعلق بمن يتحمل مسؤولية الفوضى.
وقالت "عندما أسمع اصوات الطائرات وهي تقصف الأحياء المجاورة أقول.. أيها الأسد.. لماذا تجعلنا نكرهك؟… ثم أقول هذا خطأ المقاتلين. كانت الأوضاع جيدة هنا.. لماذا يطالبون بالديمقراطية ثم يدمرون بلدنا؟"
وأصبح عدد متزايد من السوريين يغادرون دمشق كل يوم. والكثير ممن غادروا العاصمة مؤقتا يتصلون الآن بأقاربهم لإرسال ملابس وأثاث لتغيير أماكنهم بشكل دائم.
لكن رغم كل المشاكل يتمسك البعض بالأمل.
قالت إيمان وهي شابة من جرمانا إنها تصر على السير مع كلبها صباح كل يوم رغم العدد المتزايد من انفجارات السيارات الملغومة والهجمات بالمورتر في الحي الذي تعيش فيه.
وقالت "في يوم من الأيام.. سنسمع انفجارا.. سنذهب للتبرع بالدم للضحايا وأفكر في مدى شعوري بالخوف… لكني أصحو في اليوم التالي بطريقة ما وأشعر بالأمل. لابد أن أعيش حياتي
Reuters