التورط في سوريا يكشف الانقسام اللبناني ويؤججه – حسان القطب

التورط اللبناني في الأزمة السورية يزيد من حدة الانقسام الداخلي، ويكشف عن هشاشة وضعف الاستقرار الأمني والسياسي الذي يعيشه لبنان.. وبعبارة اخرى يمكن القول ان الأمن المستتب والمستقر في لبنان هو نتيجة قرار بعدم التصعيد والتفجير، وليس نتيجة تفاهم وانسجام بين مكونات المجتمع اللبناني وبالتحديد بين القوى السياسية المتنوعة المتحصنة داخل الطائفتين السنية والشيعية بالتحديد.. ورعاتهما الإقليميين والدوليين.. وإلا لكانت الصورة مختلفة.. ويدخل على هذا الخط بعض القوى المحلية جداً في حجمها وطابعها وإدراكها وفهمها للواقع السياسي، لدرجة تظن معها انها قادرة على لعب دور وطني على امتداد الساحة اللبنانية وصولاً للحصول على رعاية إقليمية نتيجة فرض حضورها على الساحة المحلية اللبنانية الضيقة.. وهذا ما يزيد من حدة الانقسام لأن هذه القوى الصغيرة تمارس دوراَ تحريضياً لا تدرك ابعاده ونتائجه المدمرة..ومن بين هذه القوى تلك التي قامت بإرسال مجموعة الشبان إلى سوريا دون رؤية او مخطط ورعاية امنية صحيحة ودون فهم لخطورة ما يقدمون عليه، مع الإشارة إلى حجم الخسارة الجسيمة التي لحقت بأهالي المفقودين المفجوعين بأبنائهم، إلى جانب ما يعززه هذا الأمر وهذا التصرف الأمني من انقسام مذهبي قبل السياسي على الساحة اللبنانية، ولو كان هذا التصرف لا يتجاوز في خطورته ما يقوم به حزب الله من قيامه بإرسال عناصره للقتال في سوريا علناً إلى جانب النظام السوري، بعد انكشاف أمره وتشييع قتلاه وتورطه الاعلامي واللوجستي في قمع وقتل الشعب السوري بطلب إيراني مباشر..مع محاولة تهديد بعض القوى اللبنانية المعارضة لسلوكه وممارساته هذا بالويل والثبور..وبالتحديد من يقوم منها بتأييد الثورة السورية ولو إعلامياً.. ويستند في بعض مواقفه وتهديداته إلى خطابات ومواقف بعض الشخصيات أو المجموعات المؤيدة له…وصولاً للتهجم على الحكومة واجهزتها الأمنية.. متهماً إياها بالتقصير..

وليس بعيداً عن المنطق القول ان الأحزاب السياسية ذات الطابع الشيعي التي كانت وما زالت متحالفة مع النظام السوري قد استفادت من خدمات ورعاية ودعم النظام السوري خلال عقود مما ساعد على تغيير الواقع السياسي وحتى الاجتماعي والديموغرافي اللبناني في بعض المناطق اللبنانية.. لصالح جمهور هذه الأحزاب.. (الزعيترية في منطقة المتن، جرود جبيل، بعض مناطق مدينة بيروت، والتغيير الكامل لطبيعة الضاحية الجنوبية، والتداخل مع منطقة الحدث والشويفات وغيرها) حتى تداخلت المصالح السياسية والتحالفات الحزبية والأهداف الإقليمية لهذه القوى مع عناوين وشعارات طائفية وطموحات مذهبية بحتة لدرجة انه لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، فالخلاف السياسي بناءً على هذا الواقع هو خلاف مذهبي، وفوز نواب شيعة في الكويت هو فوز للطائفة الشيعية في كل العالم وبالتحديد في لبنان، وخسارة الحوثيين في اليمن او شيعة البحرين جريمة بحق الطائفة في كل العالم وفي لبنان بالتحديد وليس في دولها فقط.. وعزز هذا التوجه والشعور وجود النظام الإيراني الذي يتميز بالتزامه واعتناقه المباديء الدينية الشيعية القائمة على مفهوم الإيمان بولاية الفقيه.. والذي يرعى مالياً وسياسياً ومالياً هذه القوى ويرسم لها خطها السياسي ودورها المفترض في هذا الصراع الذي يدور على ساحات عربية ودولية ولكن في خدمة التوجهات والطموحات الإيرانية..




فالساحة اللبنانية اليوم هي بين مشروعين: إما بناء الدولة التي تجمع كافة مكوناتها، تحت سقف العدالة والمساواة والرعاية لكل المواطنين امنياً وسياسياً وحماية الإعلام وحرية الرأي، وعدم الانغماس في سياسة المحاور كما ذكر إعلان بعبدا.. تجنباً لاغراق لبنان في صراعات تتجاوز حجمه ودوره…. أو الدخول في نفق رفع الشعارات العالية النبرة وإعلان الارتباط بهذا المحور او ذاك وتهيئة الساحة اللبنانية لتعيش حالة حربٍ فعلية بين مكونات الوطن لخدمة مشاريع إقليمية..عندما يحين ذلك وريثما تصدر إشارة البداية..

في نفس الوقت وعلى الساحة العربية تشهد القضية الفلسطينية تطورا إيجابياً ملحوظاً فإلى جانب الاعتراف الدولي بدولة فلسطين كعضو مراقب، فإن الأهم على الساحة السياسية يتمثل في التزام حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى بالهدنة المتفق عليها في قطاع غزة برعاية مصرية وعربية وموافقة دولية.. وهذا ما دفع بمفاوضات إعادة توحيد الساحة الفلسطينية إلى الأمام برعاية مصرية وكذلك اقترب خطاب حركة حماس من مباديء حركة فتح التي تعترف بحدود عام 1967، حدوداً دولية لدولة فلسطين.. ولكن المقلق هو أن الراعي المصري لهذا الاتفاق وهذه الهدنة يتعرض لهزة سياسية بالغة الخطورة ولا يمكن التكهن بمدى تطورها ونتائجها وتداعياتها على مصر والعالم العربي والقضية الفلسطينية..