تأجيل الانتخابات يقتضي تعديل الدستور أيضاً – جان عزيز – الأخبار


ثابت أن ورشة البحث في قانون جديد للانتخابات تعطلت. أو على الأقل تأجلت. وما تقدم عليها فعلياً في أكثر من مقر وقصر، هو ورشة البحث عن إخراج لقانون التمديد لمجلس النواب الحالي. وعلى هذا الصعيد تبرز ثلاث نظريات للمخارج الممكنة، يجري البحث في تفاصيلها وحيثياتها للتوافق على الأقل كلفة والأكثر سهولة.

المخرج الأول لتأجيل الانتخابات، هو ما بات متعارفاً عليه باسم «التأجيل التقني». وهو ما لمّح إليه وزير الداخلية بسقف زمني حدده بستة أشهر، خفضه رئيس الجمهورية إلى نحو شهرين. الذريعة الوحيدة المتاحة لإمرار هذا المخرج، هي اقتراع اللبنانيين في الخارج. على قاعدة القول بأن الإجراءات المطلوبة لذلك لم تستكمل بعد. وبالتالي فعلى المجلس النيابي إجراء تعديل تشريعي على قانون انتخابات عام 2008، يعلق العمل كلياً بالفصل العاشر منه، أي «في اقتراع اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية»، فضلاً عن ضرورة إجراء تعديل جزئي مماثل على المادتين 3 و81، الأولى لجهة تعليق عبارة «سواءٌ أكان مقيماً أم غير مقيم على الأراضي اللبنانية، أن يمارس حق الاقتراع». والثانية لجهة تعليق عبارة «جميع أقلام الاقتراع على الأراضي اللبنانية وخارجها».

والمنطق الشكلي الذي ينطلق منه هذا المخرج، هو أنه من دون تعديل هذه المواد، ستكون انتخابات 2013 برمتها قابلة للطعن والإبطال من قبل أي مرشح خاسر أمام المجلس الدستوري. علماً بأن تعديلها على طريقة التعليق، استثنائياً ولمرة واحدة، كما دبج استحقاق انتخابات 2009، قد لا يعفي الانتخاب من الإبطال نفسه.

المخرج الثاني المطروح نظرياً، هو «التأجيل السياسي». أي أن يجرؤ أحدهم على القول إن ثمة واقعاً سياسياً مأزوماً في البلاد، وإنه بلغ حداً يهدد فعلاً الانتظام العام، في حال الذهاب في ظله إلى انتخابات نيابية. والاجتهاد بأن هذة الأزمة الوطنية العميقة قد تنسف أسس ميثاق العيش المشترك، في حال إجراء الانتخابات النيابية الآن. وبالتالي فثمة «مصلحة دولة»، و«مقتضى ميثاقي» بتأجيل الاستحقاق. ورغم صعوبة وحراجة هذا المخرج، وشبه استحالة صياغته في نص قانوني يمثل أسباباً موجبة لأي مشروع أو اقتراح لتطيير الانتخابات، غير أنه يظل نظرياً من الاحتمالات الخاضعة للتقليب تحت مشرحة البحث عن حلول.

يبقى المخرج الثالث، «التأجيل الأمني». وهو يتلخص في سيناريو أن تندلع أحداث أمنية في أي منطقة من لبنان، تؤدي إلى استحالة إجراء الانتخابات في دائرة انتخابية محددة أو أكثر. عندها يظهر اجتهاد يقول: حيث أن قانون 2008 ينص على إجراء الانتخابات في يوم واحد، وحيث أن التقارب المعروف في موازين القوى السياسية، قد يكون فعلاً مرتبطاً على نحو حاسم بنتيجة دائرة انتخابية واحدة، ولو كان عدد مقاعدها اثنين فقط، وحيث أن تعطيل انتخابات أي مقعد من مقاعد المجلس الـ 128 قد يعطي نتيجة خاطئة لحساب الأكثرية الفائزة بالانتخابات العامة… تقرر تأجيل الانتخابات في كل لبنان.

لكن أياً كان المخرج وأياً كانت ذرائع الأسباب الموجبة لمشروع أو اقتراح القانون القاضي بالتمديد للمجلس النيابي الحالي، ولو ليوم واحد، فإن صيغته العملية أو النصية واحدة. وهي تقضي بتعديل المادة الأولى من قانون 2008، التي تحدد مدة ولاية المجلس النيابي بأربع سنوات. هنا يبرز اجتهاد لافت يقول إن مثل هذه الخطوة تحتاج إلى تعديل دستوري، لا مجرد تعديل لقانون الانتخاب وحسب. ذلك أن التمديدات السابقة للمجلس النيابي، التي حصلت بين عام 1976 و1991، كانت تجري في ظل دستور ما قبل اتفاق الطائف. أما بعد الطائف، فبات في الدستور نص واضح في المادة 44 منه، يمثل قاعدة ثابتة لاحتساب ولاية المجلس النيابي. وذلك تحديداً في فقرتها الأخيرة التي تقول: «للمجلس ولمرة واحدة، بعد عامين من انتخاب رئيسه ونائب رئيسه وفي أول جلسة يعقدها أن ينزع الثقة من رئيسه أو نائبه (…)». يقول خبراء دستوريون إن النص في هذه الفقرة على مهلة «عامين» بعد الانتخاب، يُقصد منها أي بعد انقضاء نصف ولاية المجلس بالتمام. ويؤكدون أن هذا أمر مثبت ومؤكد في محاضر اجتماعات الطائف.
وبالتالي فالقول إن الدستور اللبناني لا ينص على تحديد ولاية زمنية لدورة انتخابية نيابية أمر غير صحيح. فهو نص على مدة «نصف الولاية» وبالتالي حدد مدة الولاية الكاملة بأربعة أعوام. غير أن هذا الفقه الدستوري يظل في حاجة إلى شرطين اثنين: أولاً عشرة نواب يملكون حق توقيع مراجعة أمام المجلس الدستوري. ثانياً مجلس دستوري يملك حق قراره. والشرطان يبدوان مستحيلين، فاستعدوا للتأجيل، تقنياً كاحتمال هو الأسهل والأسخف، وسياسياً في احتمال أكثر حرجاً لكن أكثر صدقاً، وأمنياً … لا سمح الله.