الراعي يضع ثقل كنيسته المعنوي وتأثيرها على المحك – دنيز عطالله حداد – السفير


قبل أشهر، دار نقاش صريح وحاد في «14 آذار» حول كيفية التعاطي مع البطريرك بشارة الراعي. انقسم المتحاورون. دعا فريق الى «احتضان البطريرك وتكثيف اللقاءات معه واشراكه في وجهات نظرنا من المواضيع المطروحة. فالبطريرك يتأثر كثيرا بما يسمعه ويُنقل اليه وليس من مصلحتنا ان يسمع من طرف واحد». في المقابل، اعتبر فريق آخر ان «لا جدوى من العمل على الراعي. خياراته واضحة كما انحيازاته. واذا نجحنا في جعله يتبنى وجهة نظرنا في موقف ما، سيناقض ذلك في الف موقف. بالتالي علينا الا نغطي مواقفه، فنُحرج امام جمهورنا عندما يمعن في انحيازه الى 8 آذار».


في تلك الجلسة، انبرى احد الخبراء في السياسة والكنيسة و«الرأي العام» الى القول «بكركي تغيرت. هي لن تكون معنا ولن تكون مع «8 آذار» ولن تكون حتى مع نفسها. سيكمل البطريرك على المنوال المتقلب نفسه، وبالتالي لن يعود لبكركي مصداقيتها وثقلها المعنوي».

كلام «14 آذار» يسمع مثله همسا في اوساط «8 آذار». الاكيد ان بكركي تغيرت. والاكيد أيضا ان حجم النكات التي راجت عن بكركي وسيدها تعكس بعضا من ملامح التغيير.

ففي مضمون «خبر عاجل» على الهواتف الذكية، تبادله منتقدو البطريرك من كل الفئات السياسية، ورد الآتي: «يزور البطريرك الماروني بشارة الراعي الكرسي البطريركي في بكركي ويقيم فيه ليومين».

ليس غياب الراعي المتواصل عن بكركي ولا زياراته وجولاته المكوكية في لبنان وخارجه، وصولا الى الهند، مصدر الانتقاد في حد ذاتها. لكن توقيت الزيارات ووجهتها وما رافقها من تصاريح واحتفاليات، مبررة أو غير مبررة، تحولت الى مصدر تندر وانتقاد.

حتى أن اشد منتقدي فكرة ان «البطريرك يزار ولا يزور»، يعتبرون ان البطريرك بالغ قليلا في زياراته الداخلية والخارجية خصوصا ان «البيت الماروني» الكنسي منه والتنظيمي، كما الاجتماعي والسياسي، يحتاج الى حضور رب البيت وعمله المكثف.

ومع ذلك، فان تنقلات البطريرك وسفراته وجولاته المكوكية، تفصيل في المشهد الذي يعيد تشكيل صورة بكركي عند الرأي العام. لقد اعتاد الرأي العام على البطريرك نصرالله صفير المقل في الكلام والثابت على مواقفه الى حد العناد، والمكتفي عند استيضاحه بتكرار «لقد قلنا ما قلناه».

فجأة، انقلبت الصورة مع «صديق الاعلام والاعلاميين». شكلت الايام الاولى لتوليه السدة البطريركية مؤشرا الى حجم المساحة التي يحب البطريرك ان يحتلها. قيل يومها انه «لا يمكن الا ان يتكلم امام كل وفد من الوفود التي تؤم بكركي تعبيرا عن عاطفتها». لكن البطريرك لم يتوقف كثيرا بعد ذلك. يتحدث للجميع امام الاعلام. يكاد لا يمر له يوم من دون تصريح و«من يتكلم كثيرا يخطئ كثيرا، فكيف اذا ارتجل وافاض واسترسل؟» بحسب احد المهتمين بأرشفة مواقف بكركي وسيدها.

يقول المتخصص «لقد سقط البطريرك في الكثير من المطبات وليس آخرها موقفه من قانون الستين». ويضيف» ليس دقيقا ان الاعلام يجتزئ مواقف البطريرك. الاعلام يقوم بدوره لجهة الاختصار والتصويب على الاهم فالمهم. لكن الخلل في مكان آخر. فالبطريرك حريص على الظهور بمظهر المقيم على مسافة واحدة من جميع الاطراف السياسية. واذا ظهر يوما كأنه منحاز لفريق اسرع الى اعلان موقف منحاز الى فريق آخر. لكن هذا ينعكس سلبا على صورة البطريرك ومركزه، ويظهره كأن لا موقف له ولا رأي ثابتا».

يتابع «لقد اتى البطريرك بزخم استثنائي. فحتى من كانوا يؤيدون البطريرك صفير كانوا يعرفون ان الطائفة المارونية ولبنان يحتاجون الى بطريرك جديد يرغب باعادة جمع الصفوف والتقريب بين سائر الافرقاء المسيحيين واللبنانيين، ويملك القدرة والحماسة للقيام بذلك. والبطريرك الراعي كان يملك كل هذه المواصفات. لكن سرعان ما فقد الكثير من رصيده. فليست دعوات الميسورين الموارنة الى حفلات التكريم مقياس الشعبية. وليست الرصانة بلبس عباءة الكاردينالية الارجوانية. ولا تستقيم العلاقة بين اللبنانيين باسماع كل فريق ما يحب سماعه واسقاط ما تبقى من قضايا خلافية، بل على العكس. ولا يمكن ان تبقى لكلمة البطريرك وقعها وثقلها وينتظرها الناس، اذا كان يتكلم كل يوم عن كل شيء. واذا لم يفعل تتكفل محطة «تيلي لوميير» بعرض برنامج يومي تبشيري ايام كان البطريرك مطرانا».

يتفق الخبير الاعلامي مع كثر من السياسيين انه «اذا استمر هذا حال البطريرك، فان تأثير بكركي الى انحسار، خصوصا ان بناء «الكنيسة-المؤسسة» لم يحرز تقدما كبيرا كما كان يتم الترويج له عند بداية عهد الراعي. لا يعني ذلك حكما الا تأثيرا لمواقف بكركي على الحياة العامة لكن نسبة هذا التاثير تتراجع. وبالتالي، فالبطريرك الذي كان يؤمل منه ان يكون شريكا اساسيا في خلق تيار اعتدال يكسر الاصطفافات، او اقله رافعة لمثل هذا التيار، يتحول تدريجا الى «الاول بين متساوين» مرتكزا فقط الى ارث كنيسته وتاريخها وثقلها المعنوي. ومن كان يُراهَن عليه في تحصين العقد الاجتماعي بين اللبنانيين يتحول الى مطالب بتغييره. ومن عوَل عليه لارشاد الزعماء الموارنة الى سبل التواضع وبلورة دور متجدد للمسيحيين يعيد خطابا مضى عليه الزمن».