هل تكشف متفجّرات سماحة ترابطاً مع اغتيالات سابقة؟

أربعون عاماً على حكم "آل الأسد" في سوريا نمَت في ظلّهم شعارات الممانعة والمقاومة ورأس حربة المواجهة مع إسرائيل، تخلّل هذه الفترة جرائم عمدت أدوات نظام الأسد إلى إلصاقها بهذا وذاك.




صحيح أنّ إسرائيل "جسمها لبّيس" وأنّ العالم العربي بأسره يدرك ما تقوم به إسرائيل، لكن من يتلطّى وراء الشعارات لارتكاب جرائم نعجز عن تعدادها إلّا إذا أفضت التطوّرات إلى تمكّن القضاء اللبناني كشفَ النقاب عنها، ويبدو أنه سائر في هذا الاتّجاه.

مع بدايات الحرب اللبنانية كانت أصابع النظام في سوريا ظاهرة وأدواته حاضرة وأهدافه بائنة. وهو معلوم عنه أنّه يجيد خلق الأزمات وافتعال التصادم والصراعات بين الجماعات في كلّ بلد يضعه نصب عينيه ليقدّم نفسه حاجةً لحلّ هذه الصراعات.

هكذا فعل في القضية الفلسطينية فوجّهها كما يريد في الداخل السوري واللبناني وحتى الفلسطيني، ثمّ انقلب عليها يوم استدعت مصالحه ذلك، وتخاصم مع النظام في العراق يوم فشل في إيجاد موطئ قدم فيه، وتصالح معه يوم بدأ لعبة الابتزاز مع نظام صدّام ثم مع الشعب العراقي، لكنّ هذه اللعبة على وشك الانتهاء بعدما بات يجيد هذا الدور النظام الإيراني الذي سحب البساط من تحت النظام السوري الذي بالكاد يتمكّن من السيطرة على بعض مفاصل الحكم والجغرافيا في سوريا.

أمّا تأثير النظام السوري في لبنان فكاد يكون شاملاً بعدما طال الجانب السياسي والإداري والاقتصادي إن لم نقل الاجتماعي، لولا خروجه منه في العام 2005.

لقد أدرك كيف يضع يده على كلّ مفاصل الحياة اللبنانية وعرف كيف يجعلها مطواعة في يديه، على رغم صمود البعض في وجهه، وكانت بعض جرائمه عصيّة على الانكشاف، وإذا حصل ذلك فلم يكن هناك من يجرؤ على الإفصاح عنها، وبعضها كان واضحاً وجليّاً لا سيّما عدوانه العسكري الذي طاول لبنان من شماله الى جنوبه، فمِن مجازر الشمال والقاع وزحلة والأشرفية إلى الجرائم التي طاولت أشخاصاً وجماعات لم يصل فيها الاتّهام الرسمي القضائي الى خواتيمه المرجوّة.

فمنذ اغتيال الشهيد كمال جنبلاط والرئيس بشير الجميّل وسليم اللوزة والمفتي حسن خالد، مروراً بتفجير كنيسة سيّدة النجاة وما دار حولها من جرائم واتّهامات هدفت للنيل من معارضي النظام، وصولاً إلى قتل رمزي عيراني وإيلي حبيقة وقافلة شهداء ثورة الأرز حيث كان الاتّهام بالكاد يصل إلى الاطار السياسي، كما كان البعض يضطرّ إلى العودة عنه خطأً أو صواباً خوفاً أو ضعفاً، فبعض ذوي أولئك الشهداء لم يأخذوا أيّ مواقف تجاه هذا النظام على رغم وضوح صورة القاتل، لا بل ساروا في الاتّهام المسبق لإسرائيل والذي كان يُعدّه القاتل نفسه كجزء من الخطة التي يقوم بتنفيذها المجرم.

أمّا اليوم وبعدما كانت التحقيقات بحثاً عن الفاعل تدخل غياهب النسيان أو الكتمان، حيث كان يتمّ تجهيل الفاعل أو التضليل في هويته، فقد وقعَ القاتل في شرك قوى الأمن، وهذا اليوم انتظره العديد من اللبنانيّين عقوداً وعقوداً، فبعدما انسحب النظام عسكريّاً من لبنان تاركاً وراءه بعض أدواته الامنية والسياسية وأبواقه الإعلامية، وبعدما سمعنا من رئيس الجمهورية ذهوله لدى معرفته بالأدلّة التي هي بحوزة شعبة المعلومات، وبعدما امتنع الرئيس السوري عن توضيح هذا الأمر، ولا حتّى سعت وزارة الخارجية اللبنانية بوزيرها الحالي إلى استيضاح ما حصل، شكّل ملفّ سماحة "الشعرة التي قصمت ضهر البعير" حيث كان المجرم معلوماً لدى البعض ويراد له أن يبقى مجهولاً من البعض الآخر، سواء بإرادة من القاتل عينه أو بمهمّة من أدواته، كما جرت العادة، وبعدما سقط القناع وصمتَ كبار واختبأ صغار وتراجعَ الأزلام إلى الظلام، حيث لا يمكنهم أن يظهروا تحت ضوء الشمس، تابع البعض الآخر مشواره في "محور الممانعة" "الخط" أو "الزاموءة" كما تحلو له التسمية. ومن يرفض أن يصدّق أو يخشى أن يصدّق فلا حاجة للتذكير أنّ النظام السوري أرسل لنا صواريخ لمحاربة إسرائيل.

إذ لطالما قُصِفت سوريا من قِبل إسرائيل وكانت تلوذ بالصمت، لا بل تضع رأسها في التراب، فلو أرادوا مقاومة إسرائيل لفعلوها مباشرةً من دون المقاومة بالواسطة. مع سماحة سقط القناع عن المجرم الحقيقي، وكم من سماحة… سيسقط معه أو من حوله.

ومع الحقائق والأدلة الموجودة لدى القضاء العسكري فلا داعيَ للخوض في متاهات التسريب، فالتسريب يحصل عالميّاً ومحليّاً، ففي ملفّ التعامل مع إسرائيل سرّبت المواقع الالكترونية لحزب الله كلّ التحقيقات التي أجرتها مديرية المخابرات مع الموقوفين، ولم تحصل أيّة إدانة أو ملاحقة على هذه التسريبات. وفي هذه القضية بالذات جاء منع عرض الأدلّة ليخفّف من وطأة الضربة التي تلقّاها الفريق المؤيّد "للخط" فيما كان الرأي العام بأمسّ الحاجة ليطّلع على قوّة الأدلّة كي يواكب عمل القضاء وصولاً إلى الخواتيم المرجوّة فيه بعيداً من اللفلفة المعهودة.

نشير هنا الى أنّ المواد التفجيرية التي كان منويّاً استخدامها، إذا ما صحّ أنّها هي ذاتها المستخدمة في تفجيرات أخرى مثل التفجير الذي تعرّض له الشهيد سمير قصير وجورج حاوي والشهيدة الحيّة مي شدياق، فإنه يتيح لمكتب المدّعي العام التابع للمحكمة الدولية التحقيق في هذا الصدد للتأكّد من وجود ترابط بين هذه الاغتيالات، وفي هذا الأمر تسهيل لمعرفة الجهة التي تقف وراء هذه الاغتيالات.

ملاحظة أخيرة: إنّ ما قام به سماحة على ما ورد في وسائل الإعلام يقع تحت طائلة العقاب المنصوص عنه في المادة /274/ من قانون العقوبات اللبناني لجهة دسّ الدسائس لدى دولة أجنبية لمباشرة العدوان على لبنان، وعقوبة هذا الفعل تصل الى الاعتقال المؤبّد وإلى الإعدام إذا أفضى فعله الى نتيجة، والمادة /290/ لجهة تجنيد جنود للقتال في سبيل دولة أجنبية، والمادة /295/ لجهة إيقاظ النعرات الطائفية، والمادة /308/ لجهة إثارة الحرب الاهلية، والمادة /316/ لجهة تمويل الإرهاب والمساهمة به، والمادة /317/ للحضّ على النزاع بين الطوائف، والمادة /322/ لجهة إنشاء عصابات مسلّحة، والمادة /327/ لجهة حيازة أسلحة، والسلسلة طويلة… فلا تُخرجوا هذه الأفعال من دائرة العقاب لئلّا يفقد لبنان مناعته فينزلق مجدّداً إلى الحرب الأهلية، وقد آن لنا أن ننهض به حرّاً بعدما ناضلنا طويلاً للخروج من فكّ الأسد وجرائمه.

الجمهورية