الجواسيس في سوريا هم أخشى ما يخشاه الثوار، لا سيما وأن هؤلاء يعملون لحساب نظام قمعي دكتاتوري، يشن حملة دموية ضدهم من أجل إحكام سيطرته على السلطة في البلاد.
وعلى الرغم مما يشاع عن الجواسيس من أنهم يثيرون الرهبة والخوف، إلا أن الجاسوس مالك سعدي الذي احتجزه الجيش السوري الحر بدا شاباً في منتصف العشرينيات، مثيراً للشفقة بتوتره ورأسه المطأطأ ونظرة عينيه التي تشي بالندم الذي يشعر به.
عمت مشاعر السرور والابتهاج في مقر الجيش السوري الحر في حلب عندما القي القبض على سعيدي في 6 آب (أغسطس) الجاري، أثناء هجوم للقوات النظامية على معقل الثوار.
مراسل صحيفة "تلغراف" كاد يقتل في الغارة التي شنها الجيش النظامي على معقل الجيش السوري الحر في حلب، والتي تم تنفيذها بعد أن أبلغ الجاسوس سعدي الجيش الحكومي بمكان وجود الجيش الحر.
وقال عبد الله ياسين، ضابط في الجيش السوري الحر: "ألقينا القبض على جاسوس كان يقدم معلومات إلى نظام لتوجيه ضربات جوية على قواعدنا. لقد تم تسليمه للمحققين واعترف وسوف يتم إعدامه. تم إرساله الى السجن، وسيخضع للمحاكمة، لكن أعتقد أنه سيتم إعدامه".
واشار مراسل "تلغراف" إلى أنه "وعلى الرغم من أن المراسل لا يجب ان يقحم نفسه في القصة التي يكتبها، إلا أني سأكون مقصراً بحق نفسي لو لم أقل ما حدث. لقد كنت واقفاً على درج قاعدة الجيش السوري الحر عندما حدثت الغارة، ولو لم أبتعد بسرعة لكنت الآن في عداد الأموات".
بعد أكثر من أسبوع من المحاولة، اكتشف مراسل تلغراف مكان احتجاز السعدي وأقنع السجانين بالسماح له بمقابلته. ويصفه بأنه بدا "نادماً"، مشيرًا إلى عدم وجود أي علامات تظهر أنه تعرض لسوء معاملة، ما عدا علامات حول معصميه توحي أنه كان مقيداً بإحكام لبعض الوقت.
وقال السعدي إنه ليس جاسوساً محترفاً أو مدرباً، وهو مجرد عضو في ميليشيا الشبيحة، الموالية للنظام، وقد تم تجنيده للتسلل إلى قاعدة الجيش السوري الحر ليبلغ مخابرات القوات الجوية عن معاقلهم.
بعد تسعة أيام من مرافقته للثوار، تعرف أحد السكان على السعدي فتوجه مع آخرين نحوه وبدأوا بضربه ثم سلموه للجيش السوري الحر. لكن المراسل يعتقد أن التوقيت كان "جيداً للغاية" إلى درجة أنه يثير الشبهات.
وعلى الرغم من إيجابية الأمر، إلا أن اعتقال السعدي لا يعني أن الضرر قد زال، فعائلتا "الكيالي" و "قطاب" اللتان قتل أفرادهما في الغارة الجوية لم تستفدا من هذا الإعتقال.
كان الهجوم يستهدف قاعدة الجيش السوري الحر، لكن عدم دقة الأسلحة الروسية التي يستخدمها نظام الاسد أدى إلى تفجير المنزل الذي كانت تختبئ فيه العائلتان، فدفع سكان حلب ثمن أسلحة لم تصب هدفها وتم تصويبها إلى منازلهم، فقتل ثلاثة أطفال، مع والدتهم وامرأة اخرى وأربعة رجال.
وبعد ساعة من الوقت، بدأ حشد غاضب بانتشال الأشلاء، لا وجود للجثث، فقط قطع من أجساد القتلى الذين كانوا ينامون آمنين في منزلهم، قبل أن تتكدس أشلاؤهم من قبل الجيران، بكل احترام على الرصيف.
في حلب، يجري العمل حالياً على إنشاء نظام قضائي جديد. ويتم جلب المعتقلين إلى المدينة ليمثلوا امام أبو سليمان، وهو أحد زعماء الجيش السوري الحر الذي يرتدي عمامة سوداء، وقضى 15 عاماً في دبي قبل أن يعود إلى سوريا.
بعد التحقيق الأولي في الاتهامات، يقرر أبو سليمان ما إذا سيتم الإفراج عن المعتقلين أو إدانتهم. وغالباً ما يحتجز صغار المجرمين في قاعدة موقتة لفترة وجيزة، ويعاقبون بالضرب السريع بواسطة حبل معقود.
أما أولئك الأكثر خطورة، ومعظمهم من الشبيحة، فينقلون إلى معتقل ماري في انتظار المحاكمة.
ويؤكد الرجل المسؤول عن الشؤون المدنية في لجان التنسيق المحلية، على حسن معاملة المعتقلين، مشيراً إلى أنه في وقت ما في المستقبل، سيخضعون لجلسة استماع في المحكمة مع محامين ممثلين لهم.
وأضاف: "اننا ما زلنا نعمل على التفاصيل. لكن لن تكون هناك عقوبة إعدام. نحن لا نؤمن بعقوبة الإعدام هنا، ولن نعاملهم بالطريقة التي تعاملنا نحن بها".
أما أبو حاتم، أحد المسؤولين في سجن ماري، فقال إن نظام المحكمة سيتبع إقامة شكل من أشكال القانون المدني، وليس الشريعة. ورفض أيضاً السماح بتصوير أي من وجوه السجناء، مشيراً الى اتفاقية جنيف.
أما الجاسوس السعدي، فقد أبلغه رؤساؤه أنه إذا تم القبض عليه من قبل الجيش السوري الحر فسيكون مصيره القتل، لكنه يقول: "الثوار لم يقتلوني، بل قدموا لي العلاج الطبي".
وعندما سئل عن الضحايا الذين قتلوا نتيجة لجاسوسيته، وهم تسعة أشخاص من عائلتين تحولوا إلى اشلاء، فقدم السعدي اعتذاراً وجيزاً، لكن رسمياً: "أنا آسف للغاية".