بعد انسحاب القوات الاميركية من العراق، أثيرت تساؤلات عديدة حول كيفية تعاطي حكومة الرئيس نوري المالكي مع بعض القضايا الاساسية في الملف العراقي الداخلي وابرزها مسألة "سكان مخيم اشرف"، البالغ عددهم حوالي 4000 آلاف نسمة وهم اعضاء في منظمة مجاهدي خلق الايرانية المناهضة لنظام الملالي في ايران، التي اتخذت من العراق مقرا لها منذ العام 1986، بدعوة من الرئيس الراحل صدام حسين على قاعدة "عدو عدوي صديقي". اثير هذا التساؤل لأن المالكي يعتبر ان سكان مخيم اشرف اعداء له في الداخل العراقي، وهم في الاصل اعداء لمرجعيته الدينية والسياسية في ايران والتي منها يتلقى الاوامر وباسمها يحكم دولة العراق.
وكان سكان اشرف حتى عام 2009 تحت حماية الجيش الاميركي لانهم تخلوا عن سلاحهم، واعترف بهم كحركة معارضة سلمية لا تتبنى العنف، فمنحوا بموجب اتفاقية جنيف الرابعة صفة "الافراد المحميين"، اي انهم لا يتعرضون لاي مضايقات امنية او سياسية من قبل الحكومة العراقية، الا ان الوضع لم يبق على ما هو عليه، فبعد ان اتمت القوات الاميركية انسحابها من البلدات والقرى في عام 2009، بدأت الحكومة العراقية في ممارسة سلطاتها في الشؤون الداخلية العراقية، وذلك بمقتضى "اتفاقية وضع القوات"، وهي اتفاقية أمنية أبرمتها الحكومة العراقية والولايات المتحدة الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، وبدأ سريانها في الأول من يناير/كانون الثاني 2009، وبدأ عندها ما يمكن تسميته "حملة المالكي الامنية" على سكان اشرف تمهيدا لاجبارهم على ترك العراق والعودة الى ايران لينكل بهم ويصار الى تصفيتهم حتى لا يسمع لهم صوت ينادي بالتغيير داخل ايران، لذا راحت الاجهزة الامنية العراقية تنكل بالسكان داخل المخيم وتنشر في ارجائه الفوض وتمارس القتل وتصنع التفجيرات التي قتلت العشرات من شباب اشرف، ووفقا لمنظمة العفو الدولية فان الايرانيين من سكان المخيم يتعرضون لمضايقات من الحكومة العراقية ويحرمون من الحصول على الادوية الاساسية، وحثت المنظمة السلطات العراقية على عدم تعريض أي من سكان المخيم، أو غيرهم من الإيرانيين، لخطر الإعادة القسرية إلى إيران، حيث يمكن أن يواجهوا خطر التعذيب وغيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وفي 5 مايو 2011 أعلن مسؤول أمريكي كبير أن الولايات المتحدة وضعت خطة جديدة لحل المشاكل العالقة في معسكر أشرف، داعية إلى نقل سكان المعسكر مؤقتا إلى موقع جديد في العراق، ريثما يعاد توطينهم في بلد ثالث، وتستهدف الخطة الحيلولة دون وقوع المزيد من العنف في معسكر أشرف، حيث قتل 34 شخصا في أبريل 2011 بعد أن تحركت قوات الأمن العراقية لشن عمليات داخل المعسكر.
لكن المالكي ورغم كل هذا لا يزال يتعاطى مع قضية اشرف من وجهة نظر ايرانية، ويريد انهاء هذه المجموعة حتى لا تؤثر على الحياة السياسية في ايران، وبذلك يدفع شيك على بياض لنظام الملالي في طهران ليضمن دعما اكبر في السياسة.
لكن الامر الغريب ان احدا من الدول العربية لم يحرك ساكنا لنصرة هؤلاء المستضعفين اللاجئيين، ومساندة قضيتهم والطلب من مجلس الامن التحرك السريع لحمايتهم من بطش المالكي واجهزته الامنية، بل ان الامر يبدوا وكانه غير موجود اصلا على اجندة اي من المعنيين بالملف العراقي الايراني، وربما اثر "الربيع العربي" سلبا على قضية هؤلاء بحيث اصبحوا بلا صوت ينادي باسمهم ولا حام يسعى لتأمين حماية لهم.
ان قضية سكان مخيم اشرف قضية انسانية بامتياز، لكن الخبث الايراني في التعامل معها، والشمولية التي يتصف بها النظام في طهران حيث لا يسمح لاحد غيره حتى بالترشح، جعلا منها قضية سياسية دينية تزيد من اسباب التوتر والخلاف بين ايران من جهة والدول العربية من جهة اخرى.
يعاني سكان المخيم من خطر التهجير الى ايران بعد القرار الذي اتخذته حكومة المالكي بذلك، وتأخر تنفيذه بسبب تدخل الامين العام للامم المتحدة والطلب من الحكومة تمديد تنفيذ القرار لحين ايجاد الحل المناسب، لكن ما الضامن ان لا يتابع المالكي ما بدأه من مضايقات بحق هؤلاء وتفجيرات تستهدف امنهم الشخصي، وتجبرهم على المقاومة المسلحة، وهو ما يريده المالكي ليتذرع به حتى يقوم بتصفية جماعية لهم كما هو مطلوب منه ايرانيا؟