ما بين «دمج الجرائم» والتمويل .. وخيار القاتل أو القديس – نبيل هيثم – السفير

اضافت المحكمة الدولية الى رصيدها اللبناني واحدة من الخطوات الملتبسة، تمثلت بالربط ما بين اغتيال جورج حاوي ومحاولتي اغتيال مروان حمادة والياس المر، وبين اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولأن خطوات المحكمة وكما تعوّد اللبنانيون، جاءت كلها في سياق مضبوط على حركة الواقع السياسي ومجرياته بشكل عام، يصبح السؤال ضرورياً: لماذا هذا الربط الآن، وما هو مغزاه وإلامَ يرمِي، خاصة أنه يرد في مستهل مرحلة ما بعد انتهاء مهلة الثلاثين يوماً لتوقيف الواردة اسماؤهم كمتهمين في القرار الاتهامي في اغتيال الحريري، واخطر ما فيه انه يرد في السياق الاتهامي ذاته ويسلط اصابع الاتهام مجدداً ضد «حزب الله»؟

الامر لم يكن مفاجئاً لـ«حزب الله»، وبديهي هنا ان يعتبر ان هذا «الربط الاتهامي» هو جزء من الاستهداف السياسي للحزب بعد فشل استهدافه عسكرياً من قبل الاميركيين والاسرائيليين، ويندرج في سياق تحضير المسرح لاستهداف دائم عبر توسيع دائرة الاتهام. الا ان الاكيد لدى «حزب الله» هو انه يعتبر نفسه غير معني لا بالمحكمة ولا بأي من خطواتها، وبناء على ذلك فإن هذا الاستهداف لن يصل الى الاهداف التي يرسمها «المستهدِفون». ويحتكم «حزب الله» في موقفه هذا الى العملية الاستباقية التي قادها السيد حسن نصرالله ونجحت في تعطيل مفاعيل المحكمة وخطواتها. كما انه يحتفظ بكثير من المعطيات والملفات التي تؤكد ان تلك القضايا والاتهامات كانت تستخدم كأوراق للمساومة معه من قبل سعد الحريري وغيره وتخيّره بين ان يكون قاتلا او قديسا، وثمة محاضر تثبت ذلك وقد يعلن عنها بعد حين.

واذا كانت المحكمة قد سعت الى اظهار الربط بين اغتيال الحريري واغتيال حاوي ومحاولتي اغتيال حمادة والمر بطريقة مسرحية تنطوي على الكثير من الاستعراض ومحاولات لفت الانتباه، فإن قريبين من «حزب الله» يقرأون في هذا الربط مؤشرا لعودة القوى المعادية الى خيار «الاستهداف المباشر» بهدف عزل الحزب وتكبيله بالاتهامات لإضعافه، وخاصة بعدما سقطت فعالية «الاستهداف غير المباشر» مع فشل التسديد عليه من الخاصرة السورية، وسقوط رهان تلك القوى على ان نهاية النظام السوري باتت وشيكة.

وكما يعتقد القريبون من «حزب الله» فإن عودة قوى المحكمة الى خيار الاستهداف المباشر للحزب قد لا تعدو كونها محاولة واضحة لوضع الحطب مجدداً في الموقد اللبناني، واشغال الداخل بسجال كلامي وجدل يصعد ويهبط تبعاً لضرورات التحريض، وانما من دون طائل كما دلت التجربة الاتهامية المستمرة، والمندرجة ضمن مسلسل متواصل للنيل من «حزب الله» بدأ بالتسريبات ثم القرارات الاتهامية ثم الرهان على الاحداث في سوريا، ثم العودة لربط الجرائم بعضها ببعض، ولانه ثبت بالملموس ان لا طائل من كل الحطب الذي يرمى في الموقد خاصة ان من تعبأ سياسياً قد تعبأ ومن شحن طائفيا ومذهبيا قد شحن، وبالتالي فإن الفشل حتمي، وكما استحضرت قضايا المر وحمادة وحاوي قد تستحضر قضايا اخرى، وليس مستبعداً أبداً ان تنتقل تلك القوى لاحقا ومجددا الى «الاستعانة بصديق» ومحاولة التلويح بالهراوة الاسرائيلية ضد الحزب!

وثمة من يلاحظ ان الربط بين تلك الجرائم هو الاساس، وان الطريقة الفولكلورية التي تم تظهيره فيها معناها وجود قرار منسق بين قوى المحكمة والمعنيين بتلك الجرائم من «ضحايا» وسياسيين، بحصر الاتهام بطرف واحد، وترسيخ ذلك في وعي الناس بما يظهر «حزب الله» على انه الوحيد القادر على القيام بمثل هذه الاعمال، وعلى اللعب بالساحة بناء على اهدافه واجندته، والمسؤول عن التلاعب بمصير لبنان خلال السنوات الست الأخيرة وبالتالي تحويل كل تلك الجرائم ومن خلال المحكمة الدولية الى محاكمة كبرى ليس لـ«حزب الله» فقط بل ايضاً للخط الذي يمثله ويتحالف معه.
على أن في الموازاة من يربط «ربط الجرائم» بأهداف أخرى، ويرى ان لهذه العملية مرامي متنوعة الى جانب الهدف الأساسي المحدد بالنيل من «حزب الله» منها:

ـ ان توسيع مروحة الاتهام من خلال إلحاق قضايا اخرى بقضية الحريري يتصل ببعد تمويلي للمحكمة الدولية وحصولها على ما قد يطيل عمرها، وذلك خوفاً من ان تذوي في قضية الحريري وحدها، اي ان هذا الربط يشكل رسالة للمجتمع الدولي على ابواب انتهاء ولاية المحكمة في آذار 2012 وذلك توخياً لمدها باسباب استمراريتها وبث الحياة فيها من جديد. وهناك كلام كثير عن اتخاذ المحكمة كوسيلة ارتزاق والحصول على المال. وبالمناسبة هل سبق للبنان أن تلقى «قطع حساب»، ولو بالجزء المتصل بحصته التي يدفعها لتمويل المحكمة الدولية؟

ـ إن هذا الربط ينطوي على بعد قضائي ترمي من خلاله المحكمة الى توسيع الإطار الجرمي، ومن خلاله اعادة انتاج مشروعية قضائية لها بعدما فقدتها بتحويلها الى جسر عبور لضرب «حزب الله» وقوى المقاومة، بالاضافة الى ما شابها منذ تأسيسها باستقالات تتالت في اكثر من موقع، وأخيراً وليس آخراً كشف الهوى السياسي لرئيس المحكمة انطونيو كاسيزي، وبيع الوثائق من قبل نائب ديتليف ميليس الالماني غيرهارد ليمان، بالاضافة الى كشف الطاقم الاستخباراتي العامل الى جانب مدعي عام المحكمة دانيال بيلمار.

ولكن ماذا عن المتناغمين مع هذا الربط، وقد سارعوا الى تبني اتهام «حزب الله» كحكم مبرم ضده؟

يقول قريبون من «حزب الله»: كل واحد من هؤلاء ترك للمحكمة الدولية ان تحدد خياراته، وسلم لها ان تحدد تشخيصها لما تعرّض له، ومنهم من لوحوا له بـ«فزاعة بنك المدينة» ومنهم من استخدموا معه فزاعات اخرى لتطويعه، وبالتالي هم جاهزون للتفاعل مع ما قد يصدر عن المحكمة في ما خص قضاياهم، سواء اكانوا مقتنعين به ام العكس.