أطرف ما في الرواية أن بعض السياديين السابقين ( الدجالين ) أصبحوا اليوم حماة ديار الممانعة والعروبة ، وأن كرامة الأمة أصبحت شغلهم الشاغل بعدما كان الوطن ( قناع ) همهم الأوحد باستقلاله وحريته ، سبحان الله كيف تنتقل البندقية من كتف الى كتف ، كيف تأخذ ( المحورية ) مكان الوطنية المفبركة ، وكيف تتحول السيادية من اعتناق ( كاذب ) الى شعار بال يرفع عنه الغبار غب الطلب.
لو توقفت فصول الرواية عند هذا الحد لما استحقت البحث ولا العودة إليها حتى عبر بوابة الذاكرة ، إنما الشيء بالشيء يذكر والحقيقة أن ( القفزة ) العروبية ( النوعية ) والزائفة أخطر من أن يسكت عنها ، وأن استراتيجيتها المحكومة بالولاء الأعمى ليست بالبدعة الفلسفية ولا مجرد نظام أفكار متناحرة ، إنما هي انصياع كامل لأنظمة قمعية تسحق بنهجها كل المبادئ والثوابت القائمة على الديموقراطية.
لو أن المسألة مجرد تحول في الإنتماء او تعديل في الإصطفاف لما استحقت النقاش ، لو كانت مجرد تبديل في الرأي والموقف لما أثارت الجدل ، لو أنها ذلك القرار النابع من منطق الفريق المؤمن بها لربما أقنعت الآخرين بما تغير ، لو لم تكن حدودها أوسع من مؤامرة حصان ( طروادي ) الملامح يتنقل بين دمشق وطهران لما استحقت الخشية والسوأل ، لو أنها مجرد قناعة لما خجلوا بها الى حد الوقاحة.
لقد تطور الإنتماء من مجرد رأي وموقف الى انحياز كامل ، تحول الإصطفاف من تعديل الى تجنيد وتحولت استراتيجية الدفاع الى منظومة قتال ، تحول الدعم من مجرد نصرة الى جزيرة ايرانية وحامية حرس ثوري على بوابة المتوسط ، رفعت رايات الحرب بالفارسية وأصبح نظام القتل في سوريا خيار الإصلاح والتغيير والنيل من الفساد ، تطور الإنتماء من مجرد فكر الى خارطة طريق وخطة عمل.
لم يعد للبعث مجرد منفذية قطرية تمثله في لبنان الشقيق ( الكذبة الكبرى ) ، لم يعد الحزب وحده المدافع الأشرس عن نظامه ولم تعد التحالفات مجرد تحالفات ، تحولوا جميعا في البعث الى أركان وقادة ، تحولت هوياتهم الى بطاقات انتساب حزبية وتحولت مواقعهم الى متاريس وخنادق ، لبنانيون بالإسم فقط تحولوا من مجرد أدوات تتلقى الأوامر الى مجموعة شبيحة أرخص من المرتزقة تهدر دماء الأبرياء.
ليست الحال مدعاة استغراب و عجب ، ولا هي تحتمل النظر فيها لمجرد اتخاذ الخطوات اللازمة ، فالأغبياء قد استسلموا لمشروعهم الرئاسي الموعود ، احتكروا كل مكونات علتهم ( الغباء ) لتنفيذه ، فأصبحوا أشد خطورة ممن يدفع بهم الى الهاوية ومن أصحاب الولاية ومن الفقيه نفسه ، أصبحوا قوة ضاربة في معادلة الدمار الشامل فتحولوا الى سرية إعدام لمعتقدات شعب أولاهم ثقته .. سرية إعدام لوطن.
الهتلريون الجدد ، أتباع ( الهتلر ) الممانع الذي عاش الحرب قكان فيها الخاسر الأكبر ، وعاش السلم فكان فيه صاحب ( الحروب المستمرة ) ، الهتلريون الجدد ، أتباع هتلر ( الممانعة ) .. فرع لبنان ، تراهم قرأوا التاريخ جبدا ؟ تراهم أدركوا أن هتلر ( النازية ) حكم العالم و أن ( هتلرهم ) الممانع ليس سوى نسخة الإنتحار ؟