يقال بأن الذي يشرب من البئر حتى يرتوي ثم يرمي فيه حجراً حاله كحال نائب لا يملك منزلاً في قريته ولا شهرة في سيرته ولا كرم في صحبته ولا تواضع في جلسته … حتى السياسة لا تجدها في حضرته, حل نائباً بالصدفة, لم يدفع فلساً واحداً في حملته الإنتخابية ولم يبني قاعدة جماهرية قائمة على عمله السياسي أو الإجتماعي ولم يكن معروفاً بين أبناء جلدته وبلدته, ركب موجة الثورة مرشحاً عن إحدى مقاعدها وفاز لأنه يُمثل سعد الحريري في قرى رفيق الحريري!
وعن علاقة البئر بالحجر بالنائب أذكر حادثة وقفت عند أطلالها مراقباً ومتابعاً بشغف عميق, هو إفطارٌ رمضاني أعده شباب المستقبل على شرف كوكبة من الأطفال الأيتام, للوهلة الأولى تشعر بأن الحدث طبيعي أو أقل من ذلك ولكنك وما أن تدخل في الكواليس حتى تشعر بشيئ من الصدمة الإيجابية في نفسك, يقول أحد القائمين على الإفطار أنه تجول على عدد كبير من المتاجر ليجمع بعض الهدايا ويوضبها بطريقة لبقة في منزله ليوزعها لاحقاً على الأطفال, ويتابع "هذا الإفطار هو جهدٌ شبابي مشترك فقد ساهم كلٌ منا بمبلغ يسير لنسدد سوياً تكاليف الإفطار والهدايا" ويلحقها سريعاً بعبارة حفرت عميقاً في ذاكراتي "اليوم نعرف من يقف إلى جانبنا في السراء والدراء"!
في مرحلة البحث عن الدلالة الكبرى التي يقدمها مشروع من هذا النوع إستوقفتني معطيات متعددة ومتنوعة وطرأ سوالٌ يفرض ذاته, هل غياب تيار المستقبل (لسبب ما) عن الساحة البقاعية في شهر رمضان يشكل فراغاً كبيراً وهوة عميقة؟ أين هم النواب وأصحاب الروؤس الحامية والأموال المكدسة؟ يجيبني أحد الأصدقاء متهكماً "في السابع من حزيران منذ عامين ونيف كان البقاعيون بشيبهم وشبابهم يتهافتون إلى صناديق الإقتراع ليدلي كلٌ منهم بدلوه في عشق لائحة لم يدركوا من قاطنيها إلا سعد الحريري وهم الأشد يقيناً أن أحداً من هؤلاء لا يعرف التجول منفرداً في شوارع البقاع!" ويتابع "قنينة المياه التي شربوها في المهرجانات الإنتخابية دفع ثمنها سعد الحريري, صورهم التي ملأت بيوتنا دفع ثمنها سعد الحريري … لم يدفعوا قرشاً واحداً في معركة يُدفع في ركابها عقوداً من الجهد والعمل ويُنثر في دروبها الغالي والنفيس".
مر شهر رمضان في البقاع مرور الكرام, لم يزعج أحد النواب خاطره بإقامة إفطار أو خيمة رمضانية كرد متواضع لجميل في رقبته يسد عبره الفراغ, فماذا لو إجتمع النواب وكبار "الجيوب" وقرر كل منهم إقامة إفطار على نفقته أفلا يسدون الفراغ الحاصل؟ أم أن النيابة شرفٌ يقتضي الجلوس عند رأس الطاولة لأخذ الصور والتصريح بمواقف إعلامية وسياسية؟ هل سيفطر الصائم الفقير في البقاع على مقالة "التايم الأمريكية" أو على مائدة "كاسيزي وبلمار"؟ … هذه الأسئلة برسم سعادتكم.
مجموعة صغيرة من الشباب الواعد يقيمون إفطاراً مُميزاً على نفقتهم الخاصة وهم يقدمون فيما يقدمون مستقبلاً زاهراً وصورة ناصعة ومشرقة بينما يغيب أخرون من أصحاب "البطون الكبيرة" أولئك الذين مُنحو صدفة لقب السعادة والسيادة والمعالي, أحدهم خسر الإنتخابات البلدية في قريته وهزم هزيمة ساحقة وحينما تدحثه يُخبرك بأنه مستقل ولكنني ما شهدت يوماً إلا على تبعيته وتعجرفه وجبروته … قليلاً ما تشاهده في البقاع وكأنه نائب البقاع عن بيروت, وأخرٌ ينطبق عليه المثل الشعبي "لا للصيف ولا للضيف ولا لغدرات الزمن" وزميل له "ما بهش ولا بنش" لدرجة أنني لم أسمع صوته يوماً, ورأس خيبتهم ذاك الشاب الذي يحضر متأنقاً بعطر بيروت ليحاضر في جموعنا عن السياسة ويا ليته يتقنها, يتحدث وفي نفسة يقينٌ بأنه يوازي نهاد المشنوق أو أكثر, لا عنان لجبروته فهو الحياة ودونه الهلاك, لم يبني منزلاً في قريته ولا منزلة في قلوب أهلها فقد حل طارئاً تماماً كالسعال والزكام والمرض, جل ما يصبو إليه يُختصر في حادثة عصفت في مُخيلتي وتركت أثاراً بعيدة المدى أوضحت جانباً من شخصه المتشاوف وتفكيره النرجسي, فقد إتصل "سعادته" بأحد الأصدقاء الصحفيين قبيل يوم من الإنتخابات البلدية وقال له "غداً سأدلي بصوتي تمام العاشرة صباحاً" هو يخبره من أجل تغطية "الحدث" إعلامياً فظن الصديق لبرهة أن محدثه كان باراك أوباما !.
لنسلم جدلاً أن سعد الحريري يمر بأزمة معينة, أهكذا يكون الوفاء ورد الجميل؟ ألا يستحق منكم وقفة ضمير تخرجكم وتُخرج التيار من التجاذبات؟ أن يُقدم شباب من ذوي الدخل المحدود على مشروع كهذا فذلك شيئ عظيم يُسّجل لهم, أما أن تقرروا أنتم الهروب إلى الأمام في تأدية الواجب فذاك عاريُضاف إلى تاريخكم المخزي والمشين … ماذا لو كان سعد الحريري يراقبكم ليعلم من يقف إلى جانبه في السراء والدراء؟
أيها الجمع النيابي الباهب إخلعوا ردائكم المخملي ولامسوا قلوب الناس والفقراء, فأنتم نواب لخدمة الناس لا العكس, نوابٌ عن البقاع لا عن بيروت, نوابٌ إحتلت الصدفة مساحة كبرى في تاريخهم فإتقوا الله … غداً يوم أخر وغداً يا أصحاب السعادة سنخرج –نحن الشباب- لنطرح أفكاراً جديدة وشخصيات جديدة لا تنطبق على حيثياتها مواصفات من يسكن متاحف الشمع ولا من يتقدم بأفكاره النرجسية … نحن قلة, نعم, ولكن الخير كذلك, طريقنا شاق, نعم, ولكن الحرية كذلك, هدفنا مستحيل, لا, لإن الإرادة لا تدرك ذلك … ننتظركم عند قارعة الطريق فهل من مبارز؟!.