أطلقت الدولة اللبنانية إشارة اولى الى خروجها من حالة الإنكار في شأن أخطار أمنية محتملة حين التأم المجلس الأعلى للدفاع غداة انفجار انطلياس. واذا كان يسجل لرئيس الجمهورية مبادرته الى تصويب المنحى الانكاري عبر دعوة المجلس الى الانعقاد، فإن ذلك يستتبع ايضا تدقيقا في حلقات الاختراقات الامنية المتعاقبة ليس من باب التهويل والتخويف ولا بطبيعة الحال من باب التقليل والتهوين، لان ما ينطبق على المهازل السياسية الرائجة في البلاد لا ينسحب على اخطار امنية زاحفة، ايا يكن حجمها
والحال ان هذا التدقيق لا يبقي مجالا للشك في ان الاحداث والاختراقات المسجلة منذ شهرين ونيف يصادف انها من عمر الحكومة تجاوزت الوتيرة "العادية" لأي احداث متناثرة عشوائية مما يثير الشبهة الحتمية في كون هذه الحلقات محاولات متقدمة لزعزعة الأمن. حتى ان طبيعة الاستهدافات والانتهاكات الامنية التي توحي ظاهرا بالعشوائية يصعب القفز فوق شبهة ترابطها اذا ما قيست بالخط البياني الذي يكشف هدف الاستباحة
ذلك ان المسلسل بدأ مع الاستهداف الموصوف للدول الاوروبية ودول "اليونيفيل" في خطف الاستونيين السبعة واطلاقهم وتفجير دورية للكتيبة الفرنسية
ثم تمدد مع تفجيري الرويس وانطلياس، ثم تواصل مع تدبير هرب مجموعة من السجناء من سجن رومية. وفي معزل عن اي اعتبار سياسي داخلي يتصل بمناخ الاحتدام والصراع بين قوى الاكثرية والمعارضة، لن يفيد أي انكار في مواجهة المخاوف المعلنة او المبطنة التي يثيرها هذا المسلسل المتجدد. فثمة على الاقل حالة انكشاف شديدة الخطورة للدولة واجهزتها مع نمط عائد يتحدى السلطة تدريجا وأي سلطة ايا يكن لونها، ويظهرها في مظهر الشاهد البائس الذي لا يقوى حتى على ان يكون مدوّن الوقائع كما حصلت. كما ان هناك ما يفوق العجز خطورة إن لم تثبت الدولة قدرتها على منع تحويل الاستهدافات الجارية بوتيرة سريعة الى شرارة لتوظيف الصراع الداخلي ودفعه نحو ذلك "الشيء الآخر" الذي لم يعد اللبنانيون يقوون على مجرد تخيله
واذا كان التلاعب بالحقائق انكارا او تشويها او تضخيما او تقليلا هو الشيمة الغالبة للسياسة الرائجة في لبنان، فإن المكابرين وحدهم يتجاهلون تزامن هذا المسلسل مع تهيئة لبنان لتلقي نتائج الحروب المنهجية الداخلية في سوريا واسقاطها على الداخل اللبناني، وكذلك تهيئته لاحتدام فوق العادة مع الموجات الجديدة المقبلة للقرار الاتهامي للمحكمة الدولية، وفوق هذا وذاك تحريك الامن الاجتماعي الموصول بحساسيات مفرطة وتوظيفه في كل ملف يمكن ان يمس ازمة في جبل الازمات الاجتماعية الخانقة والمتراكمة
يفهم اللبنانيون بذلك ان اجراءات سرية اتخذتها اعلى مرجعية دفاعية وامنية في هرم الجمهورية. ولكنهم ينتظرون، ولا خيار امامهم، ما يفوق السرية الشكلية هذه المرة في بلد يستباح على المكشوف بسخرية مخيفة من كل سري وعلني