فرنسا ساركوزي صادقة أم عاجزة أم متخبطة ؟ – سركيس نعوم – النهار

لم يُثِر اقتراح رئيس فرنسا نيكولا ساركوزي اثناء اجتماعه برئيس الجمهورية ميشال سليمان في سويسرا قبل ايام، استضافة بلاده اطراف النزاع او الصراع في لبنان حول طاولة حوار صريح يتناول ازمات وطنهم ويحاول ايجاد حلول لها او تسويات، حماسةً عند معظم اللبنانيين.

 وأسباب ذلك كثيرة، منها ان فرنسا لا تملك النفوذ والامكانات التي تجعلها مؤثرة على افرقاء الصراع في لبنان وتالياً قادرة على دفعهم الى التفاهم. ومنها ايضاً ان فرنسا ساركوزي نفسها قدمت اقتراحاً مماثلاً قبل مدة غير بعيدة ونفذته ولم "يطلع منه شيء"، كما يقال في العامية اللبنانية. ووزير خارجيتها برنار كوشنير خير شاهد على ذلك. ومدينة لا سيل سان كلو خير شاهدة على ذلك. وممثلو اطراف الصراع خير شهود عليه  ومعهم ممثلو المجتمع المدني اللبناني. ومنها ثالثاً، ان فرنسا وخصوصاً في عهد ساركوزي وبوجود كوشنير في وزارة الخارجية تمر بمرحلة من التخبط في علاقاتها مع العالمين العربي والاسلامي، وتحديداً مع عدد من دولهما المنخرطة في الصراعات الاقليمية المحتدمة، وفي المواجهات الاقليمية – الدولية العاتية، وفي الصراع اللبناني المقترب من الانفجار. فهي لا تعرف اذا كانت علاقاتها الخليجية جيدة او ممتازة او سيئة. ولا تعرف اذا كان تحسُّن علاقاتها مع سوريا بشار الاسد سيستمر أم لا. ولا تعرف اذا كانت مواقفها اللبنانية وخصوصاً من  "المحكمة الخاصة بلبنان" ومن تطبيق القرارات الدولية ومنها الـ1559 والـ1701 ستوقف التحسن المطرد في علاقتها السورية، أو ستتسبب بالضرر والاذى للوحدات العسكرية الفرنسية في القوة الدولية المعززة المرابطة في الجنوب.




ولا تعرف اذا كانت علاقتها مع ايران جيدة أم لا. طبعاً لا بد ان يكون للتخبط المشار اليه في السياسة الخارجية الفرنسية اسباب متنوعة وكثيرة. لكن ابرزها، واستناداً الى متابعين فرنسيين للاوضاع في فرنسا، هو على الارجح عدم اعتماد رئيس الجمهورية ساركوزي على وزارة الخارجية سواء بكادراتها العاملة في الداخل او بديبلوماسيتها الواسعة في الخارج، واكتفاؤه بالاعتماد على مستشارين خاصين له لمتابعة السياسة الخارجية وعلى الاقل الجزء منها الذي يتعلق بالشرق الاوسط وتحديداً سوريا وايران ولبنان وفلسطين. وهذا امر غير كاف رغم جدارة المستشارين. علماً ان مهاراتهم يمكن ان تكون مفيدة اكثر في ما لو اضيفت الى مهارة موظفي وزارة الخارجية واحترافهم.

ومن الاسباب رابعاً لعدم اثارة اقتراح ساركوزي استضافة افرقاء الصراع اللبنانيين الى طاولة حوار في بلاده حماسة اللبنانيين، معرفة هؤلاء ان لبنانية المشكلات والخلافات التي تعصف بهم لا تكفي لجعلهم قادرين على اتخاذ القرارات اللازمة لايجاد الحلول الناجعة لها. ذلك انهم منقسمون طوائف ومذاهب وشعوباً استعان كل منهم بدولة "اجنبية" شقيقة او صديقة (او عدوة في الماضي) من اجل التغلب على الآخرين والاستئثار بحكم البلاد وخيراتها. وحوّلهم ذلك مع الوقت "ادوات" كي لا نقول اكثر. الا ان المحزن اليوم ان تفاقم حدة الصراع الاقليمي – الاقليمي في الشرق الاوسط والاقليمي – الدولي في العالمين العربي والاسلامي، مع استمرار الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي واستطراداً العربي – الاسرائيلي من دون حل، هو ان لبنان صار ساحة حاسمة للصراعات المذكورة، وان شعوبه وطوائفه ومذاهبه والقبائل صارت "فرقاً" متقدمة تتقاتل بالنيابة عن الاطراف الاساسيين للصراعات. وقد جعلها ذلك عاجزة كلها عن تقرير اي امر يتعلق بلبنان وبها. ولعل ابرز مثال على ذلك ما يعيشه اللبنانيون منذ اسابيع من تخويف من تطورات امنية وعنفية وعسكرية وسياسية يمكن ان تعيدهم الى الحرب من جديد. والدافع الى ذلك هو "المحكمة الخاصة بلبنان"، والقرار الظني المتوقع صدوره عن المدعي العام فيها، والتسريبات عن تضمنه اتهامات تطال عناصر من "حزب الله" وربما جهات اخرى معروفة، واطراف الصراع كانوا "نذر الشؤم" اذا جاز التعبير. فهذا قائد كتلة يهدد بانقلاب يزيل مفاعيل انقلاب 2005.

 وذاك زعيم كبير يعود الى تحريض من يمتلك السلاح والقوة على اخصامه اولاً واخصامهم ثانياً رغبة منه في التخلص منهم نهائياً. وذلك مسؤول سابق يمضي معظم وقته في التهويل. اما من الناحية الاخرى، وبعدما ساد الارتباك لفترة من الزمن، فان الاستعدادات قد بدأت للمواجهة، غير العنفية طبعاً من جراء عدم امتلاك السلاح وليس لاي سبب آخر. كما بدأت التعبئة السياسية وغير السياسية. الا ان هذه الاجواء المحمومة والمخيفة هدأت موقتا ربما بقدرة قادر او ساحر. والسبب لا احد يعرفه

لكن يمكن التكهن به. وقد يكون مبادرة اصحاب القرار الداخلي وهم من اهل الخارج الى دعوة "حلفائهم" داخل لبنان للتروي ربما بسبب تطورات اقليمية – دولية معينة، او اتصالات اقليمية – دولية معينة، او ربما بسبب ارتباط الموضوع اللبناني بالمواجهات الاقليمية – الدولية التي لا يزال لبنان ساحة لها، والتي لا تزال شعوبه ادوات لها ووقوداً. طبعاً لا يعني هذا الكلام ان التفجيرات والانفجارات والعنف وكل ما هُوّل به على اللبنانيين قد اوقف في صورة نهائية وإن كان اللبنانيون يتمنون ذلك. لكنه يعني ان حسابات الخارج، وان حليفاً، ومصالحه لا تتطابق دائماً او في غالب الاحيان مع مصالح الداخل باطرافه المتنوعين

وفي النهاية لا بد ان نختم بفرنسا ساركوزي مثلما بدأنا بها فنشير الى ان معلومات عدد من المتابعين الفرنسيين اياهم تؤكد ان الرئيس ساركوزي اشار امام اركانه الى ان اهتمامه يتركّز الآن على تحسين العلاقات مع سوريا و"حزب الله". وبعضهم يضيف ايضاً ايران الاسلامية، في حين يخالفه البعض الآخر في ذلك. وما قاله للرئيس سليمان عن دعمه "المحكمة الدولية" لا يناقض جوهر سياسته، ذلك انه اوضح انه دعمها لأن اللبنانيين دعموها. فهل يعني ذلك وبعد انحسار الدعم لها على الاقل عند نصف اللبنانيين انه سيوقف دعمه لها؟ والسؤال الذي تثيره هذه المعلومات هو: اين لبنان الذي يهتم به ساركوزي ويريد استضافة افرقاء الصراع فيه للحوار في عاصمته ترجمة لتعلقه الكبير به؟