قرار اتهامي… لا قرار “ظني” – راجح الخوري – النهار

وضع الرئيس بشار الاسد يده على نقطة جوهرية وحساسة ومهمة جدا في مسألة التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه

ففي مقابلته مع جريدة "الحياة"، كما في سياق ما نشر عن حديثه مع النائب وليد جنبلاط، اكد الرئيس السوري انه في جريمة وطنية اودت بالحريري وفي بلد منقسم طائفيا، لا يمكن الحديث في اطار التحقيق الدولي عن "قرار ظني"، لان القرار الظني يصدر في جريمة عادية، لكنه في الوضع السائد في لبنان يمكن ان يدمر بلدا، ولهذا فإن المطلوب هو قرار اتهامي نهائي ومثبت:




"عندما يكون هناك دليل فليقدموه. هذه هي وجهة نظرنا، لنتعامل مع الادلة. والضمان لعدم تسييس المحكمة وعدم ضرر لبنان، هو ان تكون هناك ادلة. من لديه دليل فليقدمه وانتهى الموضوع".

تبدو هذه الكلمات جوهرية وضرورية، وخصوصا وسط جو الاحتقان المتزايد، الذي لا يشل دورة الحياة الطبيعية في لبنان اقتصادا وسياسة ورؤية ما يمكن ان يحصل غدا، فحسب، بل يشل الدولة والحكومة ويحاول ضرب حصار من الاحراج والضيق على الرئيس سعد الحريري، في ظل سياسة متسرعة ومغلقة تكاد ان تقول له: "اذا كنت فعلا ابن رفيق الحريري فخلّص نفسك وخلصنا"!

فعلا كلمات الرئيس في مسألة "القرار الظني" و"القرار الاتهامي" مهمة جدا وسط هذه الظروف المقلقة، التي تضع البلاد امام احتمالات الفتنة المدمرة، لانها تطالب بقرار يستند الى ادلة نهائية وثابتة تشكل ضمانا لعدم التسييس

وهذه الكلمات هي بمثابة رسالة واضحة الى المحقق الدولي دانيال بلمار، الذي سبق ان اكد حرصه اكثر من مرة على انه يسعى الى تقديم قرار يستند الى ادلة قاطعة ودامغة وثابتة، لا تقوم على الظن او الاشتباه، بل على القرائن والعناصر الثابتة والواضحة، وانه من ناحية شخصية يريد ان يختم حياته في القضاء، بعمل شديد المهنية يصوغ قرارا مترابطا، فيه من الوقائع والادلة ما يجعله بعيدا عن اي تشكيك او اتهام

وكلمات الاسد مهمة جدا عندما تؤكد ان الادلة هي الضمان لعدم التسييس وعدم إلحاق الضرر بلبنان، وهذا ما يذكرنا بما اعلنه سعد الحريري مرارا، انه سيرفض شخصيا، بل انه سيقاتل ضد اي قرار يصدر ولا يكون مبنيا على الادلة والقرائن والعناصر المستقاة من مجرى التحقيقات، لا من الظنون او الشبهات، وهو امر كرره من بعده ايضا كثيرون في "تيار المستقبل" والوسط السياسي اللبناني.

ربما في قاموس القضاء وأبجديته المتداولة ما يضع "الظن" بالشيء في موقع "اتهام" الشيء. بمعنى ان "القرار الظني" يساوي "القرار الاتهامي" في لغة القضاء. لكن الرئيس الاسد الذي يعرف هذا الامر جيدا، يريد ان يكون "الظن" بمن يتناولهم الظن في القرار، مستندا الى "ادلة اتهامية نهائية مثبتة"، كما قال، وهذا امر ضروري جدا اذا كنا نريد فعلا التوصل الى معرفة الحقيقة وراء الجريمة البشعة، الحقيقة التي شكلت شعارا يرتفع في الفضاء اللبناني منذ اغتيال الحريري

على هذه القاعدة يندرج ايضا قول جنبلاط ان الاسد موافق اصلا على تلازم العدالة والاستقرار في لبنان وعلى التمييز بين المحكمة الدولية و"القرار الظني"، الذي لن يكون مقبولا من "ولي الدم" وعائلة الحريري وكل اللبنانيين، ما لم يكن قرارا يسوق من الادلة والقرائن والعناصر الاتهامية ما يسقط كل الظنون بالتحقيق وبالمحكمة ايضا!