لهذه الأسباب يخشى الحريري الإحالة إلى المجلس العدلي – نبيل هيثم – السفير

اذا لم يكن خافيا ان كل مكونات المعارضة تدفع في اتجاه إحالة ملف شهود الزور الى المجلس العدلي، على قاعدة ان ما قد يترتب من نتائج التحقيق العدلي سيشكل بالحد الادنى «خشبة الخلاص» مما تصفه المعارضة بـ«فريق الانقلاب السياسي» الذي ضرب لبنان في السنوات الاخيرة بدءًا من العام 2005، فماذا عن موقف فريق رئيس الحكومة سعد الحريري، ولماذا يدفع في اتجاه إقفال الطريق المؤدية الى المجلس العدلي؟

في الاسباب المعلنة، يعتبر هذا الفريق أنّ الاحالة على «العدلي» «تنطوي على محاولة جدية من المعارضة لتعطيل المحكمة الدولية، فضلا عن ان إدارة ملف شهود الزور بالطريقة التي تتم فيها حاليا، تثير خوف فريق من اللبنانيين، وقد تؤدي الى فتنة» والكلام لمستشار رئيس الحكومة د. محمد شطح.




أما في الاسباب غير المعلنة، فثمة ما هو جوهري وتفصيلي لأسباب قلق الفريق الحريري، يمكن تلخصيها بالآتي:

اولا، الخشية من ان تبني الاحالة الى المجلس العدلي «خشبة الاعدام السياسي» لهذا الفريق.

ثانيا، الخشية من ان تؤدي الاحالة الى ضرب الركائز التي يقف عليها فريق الحريري، ولا سيما ان جزءًا كبيرا من منظومته السياسية والاعلامية والامنية والقضائية، ستوضع مع الاحالة في خانة الاتهام، مع ما قد يجره ذلك من إجراءات تنال منها وتضرب فعاليتها وتفرض تنحي بعض المقامات الأمنية والقضائية والسياسية والاعلامية.

ثانيا، الخشية من مفاجآت كامنة خلف الاحالة، ليس في الامكان مواجهتها أو تدارك نتائجها.

ثالثا، الخشية من أن تؤدي الاحالة الى وضع الحجر الاساس لبناء منظومة القضاء اللبناني بديلا من المحكمة الدولية، وبالتالي تحوير مسار التحقيق عن القضية الام، بمعنى ان المجلس العدلي عندما يضع يده على الملف، سيعطي اشارة واضحة وجدية بأنه قادر على تولي قضية خطيرة وحساسة لها علاقة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بما ينسف مساراً بدأ مع الخلاصة الملتبسة التي وضعها رئيس لجنة تقصي الحقائق بيتر فيتزجيرالد ونعى فيها القضاء اللبناني وأثبت فيها عجزه، ليتخذ من ذلك ذريعة لطلب تشكيل محكمة دولية… وما زال مستمرا حتى يومنا هذا.

رابعا، الخشية من ان يؤدي التحقيق القضائي اللبناني العدلي وحتى العادي الى تأخير ولادة القرار الاتهامي عن المدعي العام الدولي دانيال بيلمار، اذ قد يظهر التحقيق في ملف شهود الزور أمراً ما، يفرض على التحقيق الدولي انتظار البت فيه وتظهير نتائجه قبل أي عمل آخر، علما أن التحقيق القضائي اللبناني قد يأخذ وقته، ما يعني تأجيل القرار الظني الى ما شاء الله، كما يفرض أن يأتي ذلك القرار مراعيا لنتائج التحقيق التي قد يتوصل اليه القضاء اللبناني.

خامسا، الخشية من أن تتعالى بعد الاحالة الى المجلس العدلي، بعض الاصوات الداخلية للسؤال عما أوجب تجاوز القضاء اللبناني من الاساس ما دام هذا القضاء يملك طاقات وإمكانات، وكل ما يمكنه من التصدي للملفات الكبرى كجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصولا للسؤال عما اوجب نزع الصلاحية عن القضاء اللبناني بناء على توصية شرطي اسمه بيتر فيتزجرالد.

في المقابل، يقول مرجع قضائي سابق انه كان الحري بفريق رئيس الحكومة أن يقف في صدارة المطالبين بإحالة ملف شهود الزور، الى المجلس العدلي ليتبيّن قبل غيره ما يعتري ملف شهود الزور من خبايا ومعطيات قد تفيد في كشف الحقيقة التي ينادي بها.

ويلفت المرجع نفسه الانتباه الى ان الاحالة على المجلس العدلي هي الحد الادنى المطلوب في سياق ملف شهود الزور، مع التذكير بأن جريمة اغتيال الحريري قد أحيلت الى المجلس العدلي وتضمن مرسوم الاحالة الاشارة الى «جريمة اغتيال الحريري ورفاقه وما يتفرّع عنها».

على ان أهم ما يلفت اليه المرجع ان مجرد دخول القضاء العدلي بالتحقيق في ملف شهود الزور، فإن ذلك يفرض استئخار البت بالقضية الام، الى حين الانتهاء من بت ملف شهود الزور، فربما توصل التحقيق الى كشف أمور من شأنها أن تنير التحقيق. ولنفرض مثلا ان القاضي بيلمار قد أصدر قراره الاتهامي واتهم حزب الله، ثم بعد فترة أظهرت اعترافات جدية من شهود الزور ضلوع اسرائيل وتجنيدها للبعض منهم، فمعنى ذلك أن القرار الاتهامي الذي سبق تلك الاعترافات هو قرار مزوّر.

ويقول المرجع نفسه، انه في مقدور الحكومة اللبنانية أن تراسل الامم المتحدة كونها المرجعية السياسية للمحكمة الدولية، بصرف النظر عما اذا كانت تلك المراسلة ملزمة له ام لا، المهم هو ان تعلن الدولة اللبنانية أن القضاء اللبناني يتناول أمرا له صلة مباشرة بالتحقيق الدولي باغتيال الحريري، وتطلب بالتالي استئخار إصدار القرار الاتهامي الى حين الانتهاء من التحقيق.

ويقر المرجع القضائي بأن القضاء الدولي له أن يستجيب لطلب الحكومة اللبنانية أو لا يستجيب، فتلك المراسلة ليست ملزمة، ولكن التحقيق الدولي يتابع كل التفاصيل المتصلة بجريمة الاغتيال وبملف شهود الزور، وبالتالي فإن الحد الادنى الذي يجب على المحقق الدولي القيام به هو أن يستأخر قراره الظني الى حين انتهاء التحقيق بملف شهود الزور في لبنان.

أما اذا رفض الاستئخار، يضيف المرجع، فإن هذا يضعه أمام مسؤولية حتمية لا يستطيع الهرب منها وهي التصدي المباشر من قبل التحقيق الدولي لملف شهود الزور وضمه الى القضية استنادا الى مبدأ «ان قاضي الأصل هو قاضي الفرع».

واذا كان الجواب ان المحكمة لا تستطيع استنادا الى نظام الاجراءات، فإن هذا النظام قد خضع للتعديل أكثر من مرة، وليس ما يمنع ان كانت النوايا صافية وتسير في اتجاه الحقيقة ان يتم تعديلها مرة جديدة خدمة للحقيقة.

ماذا اذا تعذرت الاحالة الى المجلس العدلي علما أن مجلس الوزراء ليس صاحب الصلاحية بالاحالة الى القضاء العادي، فكيف سيتحرك القضاء اللبناني؟

يقول المرجع القضائي السابق ان القضاء اللبناني لا ينتظر احدا لكي يحيل اليه اية قضية، فعندما تكون هناك جريمة فإن النيابة العامة تتحرّك عفواً. والتقرير الذي وضعه وزير العدل ابراهيم نجار لا لزوم له أصلا، اذ ان المطلوب ان يتحرّك القضاء دون ان يدفعه أحد الى ذلك. فهل يكون للقضاء موقف أبعد من حسابات المتحمسين للاحالة أو عدمها؟