من يراقب المشهد السياسي اللبناني منذ إندلاع الحرب الأهلية، يدرك تماماً أن ما من رصاصة تطلق "عبثاً" في لبنان، وأن وراء الأكمة ما ينذر بشر مستطير
ومن يمعن النظر في العلاقة الحالية التي تربط سوريا بحزب الله، يستشعر التوتر القائم بين الطرفين والذي برز على عدة أصعدة
أولاً، المواجهات الأخيرة الدامية في برج أبي حيدر بين حزب الله وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)، والتي أسفرت عن مقتل مسؤول المنطقة في حزب الله برصاص غير طائش و"موجه" للصدر و الرأس، دون أن ننسى أن الأحباش هم فصيل سني أصولي يأتمر مباشرة من المخابرات السورية
لذا فإن سوريا وعبر "الأحباش"، حاولت رمي الطعم لحزب الله لإستدراجه إلى فخ حرب داخلية، واستعمال سلاحه في الداخل، للضغط على المملكة العربية السعودية بورقة الفتنة السنية- الشيعية، محاولة إقناعها بضرورة عودة الجيش السوري إلى لبنان لضبط الأمن "الطائفي" والفلتان "الميليشياوي" بحجة أن انفجار الفتنة في لبنان سيؤدي حتماً إلى انفجارها في المنطقة برمتها
ثانياً، وبحسب معلومات من مصادر مطلعة، فإن حزب الله يلوم سوريا ضمناً ويتهمها بأنها باعته في إطار صفقة "س س"، لأنه يعلم أن نهايته لن تكون في يوم على يد إسرائيل بل على يد سوريا نفسها، التي تشكل الرئة التي يتنفس منها "سلاحاً". لذا فإن أي وقف لتدفق السلاح الإيراني والسوري عبر الحدود السورية – اللبنانية لحزب الله، سيدق المسمار الأخير في نعشه، وسيكسر شوكته "العسكرية" التي يستخدمها في تركيع الحكومة اللبنانية وأخذها رهينة للصراع الأميركي- الإيراني في المنطقة
ثالثاً، سوريا منكبة حالياً على تنفيذ خطتها "التقليدية" ألا وهي العبث بالأمن اللبناني الداخلي في محاولة منها لإسترجاع "صك ملكية" الملف اللبناني، وستعمل على إشعال فتن متنقلة في المناطق الإسلامية والمسيحية عبر أدواتها. وفعلاً، فقد بدأ المشهد الأمني يتبلور ابتداءً من حادثة برج أبي حيدر مروراً بالإشكال بين آل عساكر و آل جعفر في العاقورة، إلى الموكب الإستفزازي للمردة في بشري، إنتهاء بخطف سائحين بولنديين في البقاع
وأشارت معلومات أن من أبرز أهداف الخطة، إحداث توتير في المناطق المسيحية بين المسيحيين أنفسهم: بين التيار العوني والقوات، و بين الكتائب والحزب القومي في الضهور وبكفيا، وفي البترون بين الوزير جبران باسيل وبطرس حرب باسيل عندما أرسل فرقة من وزارة الطاقة واقتحموا منزل كاهن الرعية المحسوب على حرب، بتهمة سرقة الكهرباء
رابعاً، أمين عام حزب الله يدرك الفخ السوري- السعودي الذي ينصب له و يناور محاولاً تمرير الوقت، فهو من ناحية هو يريد الإحتفاظ بثوابته أمام جمهوره ومن ناحية أخرى يستمر ببعث رسائل التهديد المبطنة لكل اللاعبين السياسيين على الساحة اللبنانية في الداخل والخارج
وعلى ضوء اهتزاز العلاقة بين حزب و سوريا بعد اتفاق "س س"، قيل أن الحزب يخشى من إستدراجه إلى حرب مع إسرائيل، يعلم جيداً أنه لن يصمد فيها طويلاً في حال توقف المد السوري، لذا فإنه يسعى جاهداً لمنع إنهيار جسر الثقة بين قيادة الحزب والقواعد واللعب على العامل النفسي لدى أوساطه عبر حقن العقول بالإنتصارات الإلهية الوهمية
ومما لا شك فيه أن حزب الله يدرك أنه يملك عامل "الأرض"، فهو يمسك بقبضته كرسي رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش، والحكومة دون رئيسها، والمجلس النيابي برئيسه، والطائفة الشيعية والدرزية ونصف الطائفة المارونية وبعض من الطائفة السنية. وبالرغم من الفخ السوري- السعودي، ووقف الدعم السوري له، فهو لا يزال حذراً من توجيه أي عتب علني للسوريين