العدالة تتحقّق بمعاقبة شهود الزور وليس بوقف التمويل – أوديت أيوب – الديار

بعد أن صنّفت عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005 بالجريمة الإرهابية تشكّلت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بناء على القرار الدولي 1757 استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينطوي على مُقاضاة كل مَنْ يثبت ضلوعه في هذه الجريمة الإرهابية والتي اعتبرها المجتمع الدولي أنها تشكل خطراً على السلام والأمن الدوليين. وحول تمويل المحكمة، جاء في القرار 1757 أنه في حال أفاد الأمين العام أن مُساهمات الحكومة اللبنانية غير كافية لتغطية النفقات كما نصت عليها المادة 5 يُمكنه عندها قبول أو استخدام مُساهمات طوعية من الدول الأعضاء لتغطية أي نقص في التمويل.

إذا في حال توقفت الحكومة اللبنانية عن دفع الحصة المالية المترتبة عليها والتي تبلغ 49 % إثر الخلاف الحاصل بين نواب حزب الله الذين يُطالبون بوقف تمويل المحكمة وبين تمسّك نواب كتلة المستقبل بتوفير الدعم المالي لها، لن يؤثر ذلك فعليا على عملها إذا كان هناك نيّة وقراراً عند الدول الكبرى بالإستمرار في عمل المحكمة.

وحسب المواقف السياسية الإقليمية التي تتعلّق بالمحكمة، لا يبدو المجتمع الدولي بصدد التنازل عن المحكمة الخاصة بلبنان، فالموقف الأميركي والفرنسي والمصري مُؤيّد لعملها. ويأتي موقف تركيا مُتمايزاً عن حليفتيها سوريا وإيران، إذ صرّح وزير الخارجية التركي داود اوغلو أن مسألة المحكمة هي مسألة عدالة رافضاً ما يتردّد اليوم من استغناء عن المحكمة واضعاً إياها في الإطار القانوني كونها قضية قانونية. ولموقف تركيا برئاسة أردوغان دلالة مُهمّة نظراً لعلاقتها الوطيدة بكل من دمشق وطهران.

كما أن السعودية أبدت مراراً تمسّكها بالمحكمة الخاصة بلبنان فتيّار المستقبل حريص على العلاقة مع سوريا وإنهاء مرحلة العداء معها لكن في الوقت ذاته كرّر باستمرار أن لا مُساومة على المحكمة وعلى دماء الشهداء.

أما العنصر المفاجئ فهو الموقف الفرنسي الذي شكل صدمة عند الجميع من حلفاء وخصوم لها حيث اعتبره البعض بمثابة الإنقلاب على نفسها، فتصريح السفير الفرنسي بأن القرار الظني أرجئ بضعة أشهر لكن ذلك لن يحول دون صدوره، كما أن اتهام عناصر من حزب الله غير مُنضبطين أصبح مُحتماً ولا مهرب منه.

ما نريد أن نقوله هو إذا كنّا نريد محكمة ذات مصداقية وان تكون غير مُسيّسة لا تتهم أناساً ظلماً، فيجب فتح ملف شهود الزور الذين شوّهوا مجرى التحقيق وأفادوا بشهادات كاذبة لتصفية حسابات سياسية. فلن تجدي نفعاً المحاولات للضغط على الحكومة بوقف التمويل للمحكمة إذا كان هناك قرار اتخذ دولياً بالتمسك بها.

الشعب اللبناني بأجمعه يُريد معرفة الحقيقة ويُريد كشف القتلة الضالعين بكل الاغتيالات التي شهدها لبنان منذ عام 2005 خصوصاً أنها حلّت في زمن سلم، يُريد الشعب اللبناني أن يُحاسب كل من قتل خيرة رجاله من مُثقفين وصحافيين وقياديين، فمن هذا المنطلق يكون مُعاقبة شهود الزور انتصاراً للعدالة كي نتوصل إلى معرفة الحقيقة التي طال انتظارها.