فخامة الموقف – غادة حلاوي – البلد

ارادوه ان يكون الحكم وحين نطق بما يمليه عليه القسم الذي ادلى به لحظة توليه مهامه ناله من السهام نصيب، هذه هي حال رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي من المفترض في حال تكلم ان يصمت الجميع لانه وبحكم ما هو وارد في الدستور هو رأس الدولة الذي يعبر عن قرارها الرسمي ولكننا في لبنان، كأننا نريد للرئيس ان يكون رئيسا حاضرا بالاسم فقط، نتباهى انه رئيس توافقي ومفهومنا للتوافقية هو ان يكون صامتا حتى وهو يرى البلد المؤتمن على امنه وسلامته مهددا بالانهيار.

قبل سفره بنحو اسبوعين كان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان حريصا على محاولة تدوير الزوايا والوصول الى تسويات وهو لا يزال يراهن على عنصر الوقت لنضوج امكانية هذه التسويات، عاد من رحلته مسبوقا بمواقف قالها لم يتم التعاطي معها بمسؤولية.




طوال الجزﺀ الاول من ولايته التي تكاد تنتصف حاول العماد ميشال سليمان ان يدير اللعبة الداخلية بقدر من التوافقية وصل الى حدود تكبيل يديه، ولكن هذا القدر من التوافقية كان يعبر عن حرصه الشديد ان يبقى على مسافة واحدة من المعاني الداخلية للعبة مع الاحتفاظ بهوامش لمواقف لها علاقة بالسياق الاستراتيجي لوضع لبنان وعلى رأسها المقاومة والعلاقة مع سورية. ومنذ اربعة اشهر وفي ظل احتدام الجدل الداخلي حول المقاومة اطلق موقفه الشهير "اني احمي المقاومة برموش العيون" واراد الاحتفاظ بموقع يكون من خلاله هو الاول في ادارة العلاقة الرسمية بين لبنان وسورية.

 

حين بدأ الواقع السياسي الداخلي يدخل في جو التسريبات التي لها علاقة بالقرار الظني وموعد صدوره وكل ما يتداعى الى هذا الملف من شهود الزور الى اللواﺀ جميل السيد والحملة على فرع المعلومات وجد سليمان نفسه مضطرا الى مقاربة هذه الوقائع التي وصلت الى مكان خطير لم يعد يسمح للرئاسة الاولى تلافي اخذ موقف. وهذا لم يوفره من سهام القوات اللبنانية على امتداد الشهرين الماضيين منذ موقفه الشهير بالدفاع عن المقاومة الى موقفه الاخير المتعلق بالمحكمة الدولية والذي قاله من نيويورك بالذات.

اهمية موقف الرئيس في هذه المقابلة انها ادخلت الرئاسة للمرة الاولى بما تعنيه من وزن معنوي ورسمي واخلاقي وسياسي في سجال يكاد يتحكم بمصير البلد واتجاهات البوصلة السياسية فيه في المرحلة المقبلة، وتفسير الكلام السياسي الذي قاله حول تسييس المحكمة الى دعوتها الى اظهار حياديتها يشكل حسما لرؤية الموقف الرسمي اللبناني في موضوع المحكمة، ويمكن ان يكون موقف الرئيس هنا في الطليعة لكل من يريد ان يبني على الموقف الرسمي من المحكمة الدولية في المرحلة القادمة.

ورئيس البلاد الذي هو في موقع المؤتمن على الدستور وعلى السلم الاهلي وهو الوحيد الذي يقسم بين الرؤساﺀ بالاضافة الى كونه رئيسا توافقيا باجماع الجميع فان موقفه هذا بالاضافة الى مقابلة رئيس الحكومة سعد الحريري الى "الشرق الاوسط" وانتظام ملف شهود الزور داخل المؤسسة الام وانتظار تقريري وزير العدل منه وموقف رئيس مجلس النواب نبيه بري في ذكرى تغييب الامام الصدر (وهنا يقال ان بري سيفاجئ الجميع بملف متكامل عن ملف شهود الزور من خلال خلفيته القانونية والدستورية والسياسية)، كل هذه السياقات تجعل رئيس الجمهورية مرتاحا في مقاربة المحكمة من خلال هذا الموقف الجريﺀ رغم السهام التي رمي بها سريعا بعد اتخاذه موقفه ما يجعل اي مراقب يعتقد ان اطلاق الرئيس لموقفه هذا مبني على تقدير ستكون له تداعيات ايجابية لسعي الرئاسة الى حفظ لبنان في ظل الازمة حالكة السواد التي يعيشها.

تقول مصادر مطلعة ان الرئيس سليمان وبعد عودته من نيويورك وبناﺀ على موقفه الذي تركه يتفاعل سيبادر الى الاتصال بالجميع من موقعه وهو لن يسمح الا ان يكون دوره طليعيا في ظل سعي بري وجنبلاط لاداﺀ دور ايجابي في تحقيق الازمة، علما ان سليمان يدرك ان اللحظة السياسية الحالية وصورة المنطقة تختلفان كثيرا عن لحظة وصوله الى سدة الرئاسة والظروف الموضوعية التي اوصلته. ما يرتب عليه اعادة قراﺀة لموقع لبنان على لوحة المنطقة ولموقع رئيس الجمهورية في مقاربة السياسة الداخلية في لبنان وهذا ما يبرر التدرج المتصاعد في مواقف الرئيس من العلاقة مع سورية الى المقاومة، واخيرا وليس آخرا المحكمة الدولية. مهم ان يعلن الرئيس موقفا والاهم هو انه وحين يتم تقييم كلامه، لا يغيب عن الذهن انه الرئيس لان الرئاسة وهيبتها تفترضان الا تكونا لزوم اللحظة فقط.