لا تأجيل للقرار الظني ولا إلغاء للمحكمة – علي حماده – النهار

من غير المستبعد ان تتصاعد الحملة على المحكمة الدولية من زوايا عدة. أولاً من زاوية القرار الظني المتوقع صدوره في الأشهر ان لم يكن في الأسابيع المقبلة، وثانياً من زاوية الضجيج حول ما يسمى "شهود الزور"، وثالثاً من زاوية التهديد المبطن او غير المباشر بتفجير البلد امنيا بدءا من اسقاط الحكومة.

في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت البارحة في بيت الدين، أطلق "حزب الله" الشرارة الاولى لحملة داخل الحكومة حول ما يسمى "شهود الزور". ومع أن الموضوع جرى استيعابه من الرئيسين ميشال سليمان وسعد الحريري، إلا أن ما حصل هو البداية فقط، وستذخر الأيام المقبلة بالكثير حول هذا الأمر إعلامياً وسياسياً ليصير مع الوقت مادة وحيدة على طاولة مجلس الوزراء. ويأتي ذلك في إطار زرع المواضيع الخلافية الملتهبة على الساحة السياسية والحكومية للبناء عليها وتحويلها كرة نار في المرحلة المقبلة.

وعلى رغم أن موضوع ما يسمى "شهود الزور" تطول شراراته محيط "حزب الله" وحلفائه، فإن عملية ضخ منهجية تتواصل منذ أشهر طويلة من أجل تظهير الأمر على أنه أكبر مؤامرة يمكن البناء عليها لإثبات ان المحكمة مسيّسة وغير جديرة بالثقة، ومحاولة إطلاق "مسار لبناني" يضرب المسار الدولي في التحقيق والمحاكمات. وقد يكون هذا الموضوع الشرارة التي سيتم الولوج منها إلى الواقع الحكومي في محاولة لنسفه وفرض حالة الأمر الواقع المستندة إلى موازين القوى على الأرض.

في المعطيات أيضاً، أن الهدف الوحيد أمام "حزب الله" هو تطيير القرار الظني وإلغاء المحكمة برمّتها، بالدفع نحو إجبار الأطراف اللبنانيين الذين يؤيدون المحكمة إلى التنصل منها وإدانتها علناً. ومعنى هذا أن الهدف هو دفع سعد الحريري بما يملك من "شرعية" للتنصل من المحكمة وإدانتها ورفع غطاء كبير عنها يتمثل بالطائفة السنية.

إقليمياً يبدو أن العقوبات على إيران بدأت تظهر فعالية كبيرة في مراحلها الأولى. ولعل الحصار المالي هو البند الأهم الذي يؤثر في اقتصاد إيران، وهي في واقع الحال مأزومة إلى حد بعيد.
وقد تكون للمساهمة العربية ولا سيما منها الخليجية دور أساسي في جعل العقوبات شديدة الفعالية كما هي الحال اليوم. فرئة طهران الخليجية بدأت تتعطل حاجبة "أوكسيجيناً" اقتصادياً حيوياً عنها. ويوماً بعد يوم تتقلص الخيارات أمام إيران بما قد يدفعها الى إشعال حرائق في المنطقة العربية لتنبيه المجتمع الدولي الى أنها تحاصر من يحاصرها اقتصادياً بالحرائق الأمنية والسياسية. و"حزب الله" باعتباره ذراعاً للجمهورية الإسلامية معني مباشرة بقرارها تسخين المنطقة. فلنراقب الجبهات مع اسرائيل، ولنتابع المحاولات الحثيثة لتوريط الجيش اللبناني في الانزلاق نحو مغامرة عسكرية جنوباً.

في مجال آخر، لم تنفع كل الرسائل التي وجهت الى العواصم الكبرى في حملها على الالتزام بما يطالب به "حزب الله" وتتمناه سوريا بالضغط على المدعي العام دانيال بلمار لتأخير إصدار القرار الظني. هذه الرسائل بعضها عربي رسمي، وبعضها سياسي لبناني. وجاء الجواب من باريس وواشنطن وعواصم كبرى أخرى أن المحكمة مستقلة والمدعي العام يصدر تقريره متى رأى أنه صار جاهزاً لتقديم أدلّته. وهو طلب تسليمه وثائق "حزب الله" لدرسها والتمحيص فيها وتبيان صدقيتها، علماً أنه يمكنه إصدار القرار الظني في أي وقت من الآن. وبالنسبة الى المحكمة كان الجواب أنها مغطاة دولياً، وأي انقلاب على الشرعية في لبنان لن يوقفها عن عملها، بل سيجعل الطرف الانقلابي في موقع شبيه بحركة "طالبان" في أفغانستان فيعجل في قرار قلب الطاولة إقليمياً بضوء أخضر عربي جامع. ولا بد من التوقف عند خبر تسديد السعودية التزاماتها المالية المتعلقة بتمويل المحكمة، وإبداء عدد من الدول استعدادها للحلول مكان أي جهة تتخلف عن سداد حصتها المالية (المعني لبنان). وعليه فمن الصعب أن يجد "حزب الله" جهة عربية أو دولية تتبرع بمساعدته على الخروج من مأزقه الراهن.

لا تأخير للقرار الظني الذي يبقى ملك المدعي العام وقاضي الاجراءات التمهيدية في المحكمة، ولا إلغاء للمحكمة، ولا هزيمة مقبولة للمجتمع الدولي أمام "حزب الله"، وتالياً لا جوائز لطهران لا عربياً ولا دولياً في عزّ انطلاقة العقوبات. أما لبنان فعلى المحك مع "تباشير" انقلابية تلوح في الأفق القريب.