…وثمة من يعتقد أن نتائج القمة الثلاثية في قصر بعبدا ينظر اليها اللبنانيون نظرة منقسمة بمثابة حقنة موضعية على خلفية وقع الكلام الواضح والصريح والعالي اللهجة من قبل حزب الله ابتداء بكلام السيد حسن نصرالله وصولاً الى الشيخ نعيم قاسم والذي كان واضحاً تمام الوضوح «لسنا مكسر عصا ومن لم يجربنا فليجربنا»، وفي هذا التوصيف لما هو آت اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه صورة واضحة بالتفتيش عمن يجرؤ باتهام المقاومة او توجيه اصبع الاتهام لعناصر غير منضبطة
وفي قراءة اللبنانيين لقمة سليمان ـ الاسد ـ عبدالله وفق مصادر سياسية مطلعة فإن مسألة النظر اليها من خلال الكوب الممتلىء نصفه يبدو ان لها محاذير في ظل عدم الركون الى مقولة وفق وضعية وضع المسألة بين التهدئة والانفجار. فهذه القمة التي قيل فيها اوصاف: التحصين السياسي للساحة المحلية، ومنع الانزلاق نحو الفتنة، وتقوية المؤسسات والاحتكام اليها وصولاً الى وصف يوم الجمعة بأنها جمعة عظيمة، وفي رأي هذه المصادر ان كافة هذه الاوصاف يمكن التعويل عليها اذا ما تمت اراحة الارض من تشنجاتها بعد رحيل صاحبي الجلالة والسيادة، ولكن في اعتقاد هذه المصادر ان ثمة سوابق يمكن تسجيلها قياساً على الاهتمام العربي طوال التاريخ الطويل بالأزمة اللبنانية لترسم صورة يغلب عليها طابع الشكل في غياب المضمون المعلن فتقول: ان مجرد مجيء العاهل السعودي والرئيس السوري معاً وفي طائرة واحدة هو في حد ذاته حدث استثنائي لم يشهد لبنان سابقة له وان قدرة تحمل الاستنتاجات حول هذا الحدث كبيرة دون ادنى شك، ولكن السؤال الاساسي المطروح والذي يفتش على جواب له اللبنانيون يتلخص بالتالي: هل هذه الصورة سوف يتم التعامل معها على اساس انها «شكل» يحمل في طياته مضامين عدة؟
وللاضاءة بشكل اوضح على «شكل» القمة يمكن الاستفادة «بكمية» كبيرة من المضامين وفق التالي:
1ـ لا يمكن لمسؤولين عرب هم على هذا القدر من الوزن السياسي ان يأتوا معاً يداً بيد وبوسيلة طائرةواحدة لو لم يكن لديهم الحد الادنى من انصاف الحلول الجذرية لأزمة اذا ما استفحلت يعرف هؤلاء القادة تداعياتها ليس على لبنان فحسب انما امكانية امتدادها وفرضية وجود هذا الامتداد حاضرة في اذهانهم وبالتالي فان معالجة «الارض» اللبنانية سوف ترتد ايجاباً على أرضية بلادهم بالذات خصوصاً وان أحداً لا يعرف كيف ستمتد الفتنة والى اين تصل، وما هي الدول التي ستضع اصبعها في هذا الجرح الذي يمكن ان يتسع والمستفيدون كثر
2ـ ان مبدأ جولة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز كان مهيأ بشكل «علمي» واضح باتجاه المعنيين بالساحة اللبنانية، وهذه الجولة التي بدأت في مصر وعرجت باتجاه سوريا وصولاً الى لبنان وانتهاء بالاردن، فان مجرد التطلع صوب هذه الدول تجد فيها هذه المصادر مصدر تأثير كبير على الساحة اللبنانية، وبمعنى آخر فان انطلاقة الملك السعودي بالذات صوب هذا المسلك في طرق المعالجة تجعله كمن يضع اصبعه على الجرح وبالتالي العالم ببواطن كافة الامور، وهذ اما يعطي جدية فائقة لهذا التحرك العربي الجامع، وتقول هذه المصادر ان كمية «النفع» المستخرجة من هذه الجولة سوف يتقاسمها اللنبانيون بالاضافة الى افرقاء عرب عديدين وفق الصورة التالية:
أـ تبين للجميع ان العاهل السعودي كان بمثابة الأب والحاضن والضامن لابعاد الخلافات بين الدول العربية وله «مونة» على كافة هذه الاقطار نظراً لثقل المملكة السعودية على الصعيدين الاقليمي والدولي وانظار العرب تتجه بشكل دائم صوب الملك السعودي لدى وقوع الأزمات
ب ـ تمكن الرئيس السوري بشار الاسد من تحقيق اكثر من هدف استراتيجي فهو من جهة أعلن دعمه المباشر لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي عمل على اكثر من خط من اجل كبح الازمة، ومن جهة ثانية استطاع الاسد تثبيت المقولة الدائمة بأن سوريا حاجة دائمة للبنان وهذا ما يبوح به اعداء الامس لدمشق
ج ـ وفي غياب اية معلومات عن خلوة الملك السعودي مع الرئىس سعد الحريري فان زيارته الى منزل آل الحريري اعطت اكثر من اشارة الى مدى الاحترام والتأييد الذي يحظى به هذا البيت لدى العائلة المالكة في السعودية، وبالرغم من «ندرة» زيارات الملوك والرؤساء الى منازل عائلات سياسية فان الملك عبدالله فعلها وهو كمن يقول: طريق السعودية تمر في بيت الوسط ومن هذا المنطلق نتعاطى مع الشأن اللبناني
د- بدا الرئيس ميشال سليمان دون ادنى شك بأنه أم الصبي وأبوه وانه عند الملمات والصعاب وان كل ما تم تداوله من حلول ومخارج كان رئيس البلاد يضعه في مشروعه الخاص لدرء الفتنة. وتقول هذه المصادر ان العماد سليمان وضع في سلم اولوياته عنواناً وحيداً. ان استقرار لبنان وسلامة أهله غير قابلين للمساومة مهما كانت الظروف وهو كمن يقول للجميع دون استثناء: «إلعبوا ما شئتم في فناء الدار ولكن إياكم الفتنة، وفي عهدي ممنوع التقاتل الداخلي مهما كلف الأمر». وهذه الثوابت لدى رئيس البلاد ابلغها للقادة العرب وللمسؤولين اللبنانيين وهي تلخص مبادئ حكمه وثوابته وهو القائل في جلسة الحوار الاولى: «مسؤوليتنا الوطنية تفرض علينا ألا نقبل بديلا عن التوافق.. حتى ولو كانت التضحيات موجعة»، من هنا فان اصرار الرئيس على ان الاخراج لأية أزمة لبنانية سوف يكون بالتوافق السياسي
وبالرغم من تحديد فحوى اللقاءات الرئاسية اللبنانية – العربية وذهاب البعض نحو مضامين اخرى، فان هذه المصادر تجزم بأن البند الوحيد والموضوع الأوحد من كل الاجتماعات يتلخص بمعالجة ملف المحكمة الدولية وفق «نكهة» لبنانية وبالطريقة اللبنانية المحضة، والقراءة الموضوعية لنتائج هذه القمم تؤكد وتشدد على ضرورة تبريد الساحة الداخلية وضبط التوتر، ولكن مؤشر نجاح القمة سوف يتم تبيانه من خلال المؤشرات التالية سلبية كانت أم ايجابية:
اولا: هناك من يأمل بأن تكون المعالجات قد وصلت الى «تفاهم» معين يعفي السيد حسن نصرالله من «حشوة» ما يطلقها خلال مؤتمره الصحافي او لقاءاته ما قبل هذه المدة، وهذا المؤشر بحد ذاته يعطي دفعاً للامور نحو الافضل
ثانياً: كلام امير دولة قطر بعد ظهر أمس في بنت جبيل وهو العارف ببواطن الامور حين أكد ان «اللبنانيين لن يحتاجوا لاحتضان لقاءات اخرى في الطائف او الدوحة مع العلم اننا جاهزون لمثل هذه اللقاءات، وفسرت هذه المصادر الكلام المباشر لأمير قطر بأنه دافع جديد «لشيء ما» قد تحقق خلال يوم الجمعة
ثالثا: تشبه هذه المصادر الوضع الحالي او اقله شهر آب الحالي بالفرصة الحقيقية لوجهة المؤشر الميداني الصحيح معتبرة ان هناك جهة «مأزومة» في لبنان متسائلة عن حقيقة موقع الكرة وفي اي مرمى، فالبعض يقول انها في مرمى حزب الله وآخرون نياتهم في وضعها لدى الرئيس الحريري، ولكن من هي الجهة المطلوب منها التضحية، فهل يضحي حزب الله ام وجهة التضحية مطلوبة من الرئيس سعد الدين الحريري ؟ وفي مطلق الاحوال فان الجرأة على الاقدام على هكذا خطوة دونها تداعيات أقل ما يقال فيها انها موجعة ومؤلمة، وبالتالي فان مسألة اتهام حزب الله او عناصر منه والامر مشابه لدى الحزب من هذه الناحية قضية ليست فيها جدل او حتى تمتمة، وفي المقابل فان المحكمة الدولية وقرارها الظني لها تداعيات وعملية «التخلي» عنها من قبل الرئيس الحريري مستحيلة حتى الساعة، ولكن ما بين اتهام الحزب والتمسك بالمحكمة ثمة خيط عملت عليه القمة سوف يتبين خلال الايام المقبلة، هل الأمر يتطلب جرأة فائقة؟ المصادر ترد بأنها مطلوبة من الجانبين ولسوريا دور سوف تستكمله بعد زيارة الرئيس الأسد، وهذا الدور يبدو انه مقبول لدى الطرفين وعلى جناح السرعة لمكافحة الحريق الذي بدأ يلوح تحت اقدام الجميع
وتقول مصادر مأذونة في حزب الله ان مسألة اتهام الحزب بطريقة او أخرى باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قضية مركزية وبالغة الاهمية ودونها بقية القضايا، ذلك ان اغتيال الحريري من قبل «عناصر» من الحزب ليس مجرد لعبة ومن لا يعي معنى هذا التصويب محلياً واقليمياً وتداعياته يكون في اقل الدرجات مغمياً عليه وغير واع، واذا قال الوزير حسين الحاج حسن انه: ممنوع اتهام حزب الله ونقطة عالسطر. فان المصادر السياسية الآنفة ذهبت الى حد الاحساس بالقول: انه مجرد اتهام اي شخص يحمل المذهب الشيعي وفي هذه القضية بالذات وفي هذا التوقيت ايضا يحمل في طياته بذور التفرقة على خلفية ما يجري من حراك غير مرغوب فيه في لبنان والمنطقة
وفي المحصلة فان قمة «تحصين الساحة» اللبنانية ودرء الحرائق الآتية على البلاد يمكن قراءتها وفق منطقين: الكأس الفارغ او الممتلئ نصفه، وفي الحالتين على اللبنانيين الا يستمعوا كثيراً الى «الاخبار» الاسرائيلية او ان يشاهدوها بإمعان لعلهم يتعظون