لماذا يصرّ اقطاب في قوى 14 آذار على إثارة موضوع سلاح "حزب الله" والمطالبة بايجاد حل له قد لا يتم التوصل اليه على طاولة الحوار لدى انعقادها حتى في اطار الاستراتيجية الدفاعية المجهولة معالمها حتى الآن؟
يجيب هؤلاء الاقطاب بالقول ان "حزب الله" حسم موقفه من موضوع سلاحه مستبقا البحث فيه على طاولة الحوار بتأكيده ان هذا السلاح باق ما دام خطر اسرائيل باقياً… وإن اقصى ما يقبل به هو "التزاوج" بين سلاحه وسلاح الدولة. وهذا معناه رفض وضعه في كنف الدولة او بإمرتها لتجنب استخدامه في غير زمانه ومكانه كما حصل في 7 أيار
ومن جهة اخرى، فان الاستراتيجية الدفاعية ينبغي ان توضع في ضوء الاتفاق على جواب لسؤال: هل نريد لبنان دولة مواجهة وتصد؟ فاذا كان الامر كذلك، فإن هذه الاستراتيجية ينبغي ان تكون مشتركة اقله مع سوريا بحيث تكون استراتيجية حرب او استراتيجية سلام لتحرير ما تبقى من اراضيهما؟ اما اذا تقرر ان يكون لبنان دولة مساندة كما كان في الماضي، فان الاستراتيجية الدفاعية يكون لها عندئذ شكل آخر وتصبح مسؤولية الدفاع عن لبنان مسؤولية الشعب اللبناني بكل فئاته وليس مسؤولية فئة واحدة الى جانب قوات الدولة المسلحة
ويضيف هؤلاء ان الخلاف بين اللبنانيين ليس على سلاح وظيفته الوحيدة مقاومة اسرائيل والتصدي لاعتداءاتها، انما الخلاف هو على ان هذا السلاح ارتدّ في الماضي الى الداخل، ولا شيء يضمن عدم ارتداده مرة اخرى كلما لم يعجب حامليه قرار يصدر عن الحكومة، عدا ان وجود هذا السلاح في يد فئة من دون اخرى يخل بالتوازن الداخلي، ويجعل طرفا اقوى من طرف آخر. وهذا ليس جديدا في لبنان، فعندما كان السلاح موجودا في بعض المناطق النائية مثل الهرمل والعاقورة وزغرتا وعكار، كانت القوانين فيها تطبق احيانا بالتراضي. وعندما كان السلاح خارج الدولة في ايدي الفلسطينيين فانه كان يؤثر على مواقف الوزراء وتحديدا رئيس الحكومة بحيث كان لا يوافق على قرار يصدر عن مجلس الوزراء الا بعد استشارة قادتهم والوقوف على رأيهم فيه. وعندما كان السلاح مع فئة لبنانية، وتحديدا مسيحية، كان رئيس الجمهورية يستشير قادة هذه الفئة قبل ان يتخذ موقفا في مواضيع مهمة. وها ان الوضع حاليا لا يختلف عن الماضي سوى في ان السلاح خارج الدولة موجود في يد فئة واحدة بحيث تستطيع ان تفرض رأيها على الفئة الاخرى بالتهويل والترهيب، وهو ما حصل عندما استطاعت الاقلية المسلحة فرض رأيها على الاكثرية العزلاء فحالت دون انتخاب رئيس للجمهورية من هذه الاكثرية، وهددت بالويل والثبور وعظائم الامور اذا اقدمت على انتخاب رئيس للجمهورية بنصف زائد واحداً، كما حالت دون تشكيل حكومة من الاكثرية عندما تعذر تشكيل حكومة وحدة وطنية واقفلت ابواب مجلس النواب في وجهها، واعلنت عدم اعترافها بحكومة من الاكثرية وهددت ليس باللجوء الى المؤسسات الدستورية كما كان يحصل في الماضي تطبيقاً للدستور وللنظام الديموقراطي، بل الى الشارع، فنفذت اعتصاما وسط العاصمة دام اكثر من سنة ملحِقا اضرارا مادية بالاقتصاد وبمصالح المواطنين، وهو اعتصام ما كان ليدوم طوال هذه المدة لو لم تكن تحميه فئة مسلحة مستعدة لان تصطدم مع قوات الدولة وتخلق فوضى امنية تجنبت السلطة الوقوع فيها، في حين كانت الاقلية المعارضة في الماضي تلجأ الى التظاهر السلمي او الى الاضراب العام تعبيرا عن رأيها واحتجاجا على الحكومة عندما كانت تعجز عن ذلك في مجلس النواب، وكان نجاح هذا الاضراب او فشله هو الذي يحسم المواجهة بين الموالاة والمعارضة وليس السلاح، خصوصا عندما يكون في يد فئة واحدة وليس في ايدي الجميع ليفرض توازن الرعب او الاقتتال
ولم تكن الانتخابات النيابية لتمر بسلام في 7 حزيران 2009 ، رغم وجود سلاح خارج الدولة، لو لم تكن المعارضة المسلحة تتوقع الفوز فيها باكثرية المقاعد، ولم يكن مؤتمر الدوحة لينعقد فارضاً حلولا مخالفة للدستور ولاتفاق الطائف لو لم يرتد هذا السلاح الى الداخل في 7 ايار ولم يستطع احد مواجهته، حتى ان سلاح الدولة تجنب المواجهة حرصا على السلم الاهلي واكتفى بدور الفصل في مناطق الاضطرابات وحماية ما يمكن حمايته من الارزاق والممتلكات العامة والخاصة
ومع ان الاقلية التي تمثلها قوى 8 آذار اعترفت بنتائج الانتخابات التي فازت فيها قوى 14 آذار، فانها استطاعت ان تفرض بقوة السلاح تشكيل حكومة اختارت هي فيها وزراءها والحقائب خلافا للاصول، وقد تفرض هذه القرارات التي تريد وتعطل القرارات التي لا تريد إن لم يكن باصواتها في مجلس الوزراء فبتهديدها باللجوء الى الشارع حتى لو ادى ذلك الى أحداث 7 ايار جديدة
ومع بقاء السلاح خارج الدولة سواء في ايدي الفلسطينيين بدعوى الدفاع عن حقهم في العودة الى ديارهم… او في ايدي فئة لبنانية بدعوى مواجهة الخطر الاسرائيلي، فان النظام الديموقراطي لا يمكن تطبيقه كي تحكم الاكثرية والاقلية تعارض، بل ان هذا السلاح يفرض ما يسمى الديموقراطية التوافقية التي تجمع الاكثرية والاقلية في حكومة واحدة بحيث قد لا تصدر عنها القرارات الا بالتوافق، اي بالاجماع، واذا صدرت بالاكثرية المطلوبة، فان الحكومة تواجه خطر الاستقالة اذا ما انسحب وزراء الاقلية المعارضة منها، فتدخل البلاد عندئذ ازمة وزارية مستعصية قد تتحول ازمة حكم تُدخل البلاد في المجهول…
وها ان موضوع تشكيل هيئة وطنية لدرس اجراءات إلغاء الطائفية، كونه يُطرح في ظل الهيجان المذهبي وسلاح خارج الدولة، يخيف فئة ويرهب الدولة نفسها ويحول دون قيامها، واذا قامت فانها تبقى بلا هيبة، وان بقاء هذا السلاح يضع اللبنانيين بين خيارين: إما العودة الى تطبيق النظام الديموقراطي الذي تحكم فيه الاكثرية والاقلية تعارض ولكن بعد الغاء الطائفية، وهذا معناه ان الاكثرية التي ستحكم هي اكثرية الفئة الواحدة او اللون الواحد، وإما الاستمرار في تطبيق الديموقراطية التوافقية مع استمرار الطائفية السياسية، وتطبيق هذه الديموقراطية يعني ان الاقلية المعارضة المسلحة هي التي تظل تتحكم بالاكثرية العزلاء كما هو حاصل حتى الآن
لذلك، لا بد من ايجاد حل لمشكلة السلاح خارج الدولة قبل البحث في اي دستور جديد او صيغة نظام جديد للبنان… لان رأي فئة مسلحة قد يُفرض على فئة غير مسلحة، وما لم تبسط الدولة سلطتها وسيادتها على كل اراضيها ولا يبقى سلطة غير سلطتها ولا سلاح غير سلاحها، فانه لا يمكن البحث في اي لبنان نريد الا في اجواء هادئة ونفوس مطمئنة ومناخات صافية.