بين الوجود السوري وسلاح حزب اللّه – جان عزيز – الأخبار

مع انقضاء عام 2009 وبداية 2010، هل انقضى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ومن الألفية الثالثة، أم علينا انتظار نهاية العام الجاري الجديد؟ سجال علمياً رصين، وعملياً عقيم، انطلق قبل عشرة أعوام، وتحديداً لمناسبة قدوم عام ألفين… مهما كان الجواب، فالمهم أن عشرة أعوام انقضت منذ ذلك الحين. عشرة أعوام، تستحق لبنانياً، إطلالة على مفارقاتها الغريبة العجيبة

بعد أفول عام 1999، كان اللبنانيون كما العالم كله يعيش ذعر تجاوب أنظمة المعلوماتية مع تاريخ الألفية الجديدة، أو ما عرف باسم واي تو كاي. ثوان قليلة كانت كافية للعودة إلى أولويات رعبهم الداخلي، في تعقيداته الأكثر تشابكاً من أسلاك الحواسيب. وبدأ العقد: سنة ألفين انتخابات نيابية بعد تحرير من جيش بيار الجميّل، ثم جلجل ألبير مخيبر. قبل أن يفاجئ وليد جنبلاط بالانضمام جزئياً الى الجوق نفسه، ولو مع تمايز بطلب إعادة التموضع، «وتحسين الإدارة السورية للملف اللبناني»




بعد عشرة أعوام، أولى الملاحظات على مماثلة العقدين، أن بكركي لا تزال حيث كانت، فيما جنبلاط ينقلب على انقلابه، أما سوريا فخرجت عسكرياً، وعلى نحو كامل

بعدها توالت التطورات الكبيرة، بنتائجها المتناقضة: 11 أيلول 2001، دفعت التيار السيادي الى الانكفاء. حتى صارت بكركي مدافعة عن حزب الله، وخصوصاً بعدما كان قد سبق ذلك الحدث، ضربة 7 آب و9 منه. سنة 2002 كانت ولادة المبادرة العربية للسلام من بيروت. وقفة مستقطعة بين الاهتمام العربي والالتزام، أو التلزيم السوري. 2003: سنة الحرب على العراق، مع انقلاب جنبلاطي جديد وعنيف، بلغ حد التحريض على الكراهية والقتل لكوندوليزا رايس وبول وولفوفيتز. انقلاب جارته بكركي ومسيحيّيها، وصولاً إلى صلاة في حريصا، من أجل السلام في عراق صدام. 2004: بداية الافتراق الاميركي الفرنسي السعودي مع سوريا، الذي أدى إلى القرار 1559، بعده كل الأحداث والأعوام صارت نتيجة تلقائية أو حتى ذاتية التفاعل، بأخطائها وخطاياها، بمآسيها والكوارث.

بعد عشرة أعوام كاملة، يرى مسيحيو الأكثرية السابقة، أن حلقة تامة من التطورات والمواقف قد أقفلت طرفيها، وأن الوضع عاد بهم إلى ما كانوا عليه سنة ألفين. يومها ـــــ يقولون ـــــ كان المسيحيون السياديون، هم الفريق الأكثر تحرراً، وبالتالي قدرة، على إقامة ربط النزاع مع السلاح السوري في لبنان. واليوم، يبدون الفريق الوحيد المستمر في إقامة ربط النزاع مع سلاح حزب الله في لبنان. ويومها قدّمت سوريا تنازلاً لرفيق الحريري في الانتخابات النيابية، على حساب حلفائها الآخرين، مقابل أن يأتي بحكومة تقول في بيانها، إن الوجود السوري في لبنان ضروري وشرعي وموقت. واليوم تنازلت سوريا ـــــ ومعها حزب الله ـــــ لسعد الدين الحريري في الانتخابات، وعلى حساب حلفائها أيضاً، مقابل أن يأتي الحريري الابن بحكومة تقول بشرعية السلاح، جيشاً وشعباً ومقاومة. يومها ـــــ يتابع المسيحيون أنفسهم ـــــ ثابرنا على ربط النزاع حتى جاءت التطورات العراقية، لتحرر باقي اللبنانيين. واليوم سنستمر في معركة ربط النزاع، وقد تأتي التطورات الإيرانية، والتطورات السورية ـــــ الإسرائيلية، لتعيد سباقاً لبنانياً داخلياً وطنياً جامعاً، يطالب بإنهاء أوضاع السلاح غير الرسمي…

هذا المنطق بالذات هو ما دعا السيد حسن نصر الله المسيحيين ربّما، إلى الحوار الداخلي والهادئ حوله، حول صحته وصوابيته وجدواه. بأي حق؟ يقول منطق آخر مقابل، لدى غير المسيحيين، إن الدعوة حق، بمنطق المصلحة اللبنانية العامة، وبمنطق مصلحة المسيحيين طبعاً، ولكن أيضاً بمنطق مصلحة غير المسيحيين تحديداً. يقول المنطق الآخر إن لبنان هذا، بديموقراطيته الخاصة وبخصوصية تعدّده وتنوّعها وحريته، هو رهن وجود كل جماعاته على أرضه، وهو خصوصاً رهن وجود المسيحيين وبقائهم ورسالتهم. فحين تتخذ أي جماعة لبنانية، خياراً ـــــ أو رهاناً ـــــ يهدد وجودها، تكون في الوقت نفسه تهدّد وجود الجماعات الأخرى، والحرية والديموقراطية ولبنان. يقول المنطق الآخر، إن خطر «انتحار» جماعة لبنانية ما، هو خطر «انتحار» للجميع في لبنان. وهو يعطي الحق، لا بل الواجب، بعد الحق المبدئي بإعطاء الرأي، في الدعوة الى مراجعة ذاتية، إلى حوار داخلي هادئ، والى التفكير في الإطلالة على عقد زمني جديد، بما يخدم العقد الميثاقي الدائم