من بين سطور خطاب الرئيس الاميركي باراك أوباما السنوي الاول أمام الكونغرس وما سقط سهوا أو عمدا من فقراته، يمكن تلمس مؤشرات الى عام صعب يلوح في أجواء العالمين العربي والاسلامي، اللذين اعتمدا طوال السنوات الثماني الماضية على القيادة بل على التعليمات الاميركية المباشرة في إدارة شؤونهما اليومية، التي يبدو أنها أسندت الى وكلاء محليين، على رأسهم اسرائيل التي تحررت من أي قيد أو رجاء أميركي كان يكبل حركتها، وغيرها من الانظمة الحليفة لأميركا التي كلفت بمهمة إزالة آثار الحملة العسكرية الاميركية التي امتدت طوال السنوات الثماني الماضية وبلغت ذروتها القصوى
لا يمكن الزعم ان غياب أي ذكر للصراع العربي الاسرائيلي من خطاب أوباما هو أمر عابر. لم يسبق لسلفه جورج بوش أن أغفل مثل هذا الصراع في رسالته السنوية الى الاميركيين والعالم من منبر الكونغرس. وثمة من يتندر اليوم بالقول انه لم يقدم أي رئيس أميركي منذ الرئيس الاسبق ريتشارد نيكسون على مثل هذه الخطوة، التي كانت ولا تزال تمثل لازمة في الخطاب السياسي الاميركي على الاقل من زاوية إعلان الالتزام بأمن اسرائيل وتفوقها على جيرانها العرب، حسب التعبير الذي ابتكره في مطلع الثمانينيات الرئيس الاسبق رونالد ريغان، وحوّله الى حقيقة ثابتة، مهدت لتفرغ أميركا الى الحروب والازمات التي اشتعلت على سواحل الخليج العربي، في أعقاب الثورة الاسلامية في ايران
رب قائل إن أوباما تعمد عدم الاشارة الى ذلك الصراع كي يتجنب التذكير بالالتزام الأميركي تجاه اسرائيل، التي ضاق بها ذرعا وشعر أنها خيبت أمله وأحبطت مسعاه الجدي لتحقيق السلام مع الفلسطينيين، وكي يتفادى التلميح الى المعاناة الانسانية الفلسطينية التي تسللت صورها في قطاع غزة من الرأي العام الى الكونغرس، ودفعت 54 نائبا من أعضائه الى الإقدام على بادرة جريئة فعلا تمثلت بتوجيه رسالة الى الرئيس الاميركي تطلب منه العمل على تخفيف الحصار على غزة.. علما بأن أوباما عمد في كلمة ألقاها في فلوريدا بعد ساعات فقط على خطابه في الكونغرس الى التشديد على التحالف مع اسرائيل وأهميته بالنسبة الى المصالح الاميركية، وعلى الحاجة الى التنبه لمحنة الفلسطينيين، يقصد المعيشية أو الحياتية لا السياسية طبعا
وأوباما بهذا المعنى يترجم كلامه الاخير الى مجلة «تايم» الاميركية الذي سلم فيه بصعوبة التوصل الى تسوية فلسطينية اسرائيلية، وطلب من الاسرائيليين ومن مبعوثه الخاص جورج ميتشل التركيز في المرحلة المقبلة على معالجة القضايا الاقتصادية والامنية والاجتماعية التي يواجهها الفلسطينيون في غزة وفي الضفة الغربية، والاعتراف لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه تحرك أبعد من أسلافه وأبعد مما يريده حلفاؤه في الحكومة الاسرائيلية.. ما يعني أن على الجانب الفلسطيني والعربي أن يبادر الآن الى ملاقاته في منتصف الطريق، أو أن يتحمل المسؤولية
لم يكن أوباما في خطابه أمام الكونغرس يعكس قلة خبرته أو عدم رغبته في مقاربة «أزمة الشرق الاوسط»، بل كان يعلن بشكل مدو أن إدارة هذه الازمة شأن إسرائيلي خاص، يضمن لأميركا التفرغ للتحديات التي تواجهها في ما وراء الخليج العربي