كتاب إلى سعد الحريري – راجح الخوري – النهار

تستقبلك سنة 2010 او تستقبلها، وانت تحت اضواء كاشفة جداً، لأنك هذه المرة تمسك بدفة السلطة التنفيذية في "سفينة لبنان" التي تحاول الخروج من العاصفة وسط بحر هائج. لكن لا الشاطئ قريب على ما يبدو ولا المراسي جاهزة لالتقاط انفاس الرمل!
عندما دخل والدك الرئيس الشهيد السرايا، كان كمن يترك مسرح اعمال واتصالات على مستوى عالمي، ليدخل شرنقة مفعمة بالدم والخراب والمآسي والحروب. كقومي عربي عتيق وكعصامي يحمل حوافز نضالية، وجد ذاتياً ان في وقف الحرب واعادة بناء لبنان، مهمة العمر الافضل، وخصوصاً في ان يعمل ليجعل من بيروت ام العواصم ومن لبنان المدمر درة آسيا ومفصلها الحيوي مع افريقيا واوروبا.
دخل والدك الشرنقة المشتعلة يوم كنت انت تدير امبراطورية الاعمال والشركات. ولأن رياح التراجيديا الاغريقية ضربت بيتكم وعائلتكم والوطن استشهد رفيق الحريري، الذي كان هدف هجوم دائم واغتيال سياسي متسلسل، منذ بداية عمله في اعادة البناء والاعمار. طبعاً لأن هناك قوى كثيرة وكبيرة لم تكن تريد للبنان ان يقوم، فما هدمته حروب ومصالح ومؤامرات ورهانات واعوام من الجنون لا يبنيه انسان!


واذا كنت قد التقطت المهمة والراية من بعده، فكل ما فعلته في الاعوام الخمسة الماضية كان مجرد معمودية سياسية. كان مجرد تدريب في السياسة. الآن فقط مع بداية سنة 2010 تدخل سر الشرنقة، حاملاً حلم رفيق الحريري ورايته، الى حيث كان وحيث أراد وحيث حلم وطمح.
لكن شرنقتك ليست مثل شرنقته. فقد دخل هو بلداً مدمر البشر والحجر والسياسة، وها انت تدخل قيادة شرنقة تتفتح نسبياً، ويسابق فيها عمار الحجر عمار البشر، وان كانت السياسة تراوح مكانها تقريباً في الانقسامات والانانيات والغثاثة.
لبنانياً ما صنعه رفيق الحريري في مماته يكاد ان يتجاوز ما صنعه في حياته. نحن هنا نتحدث عن اعادة بناء الاحاسيس الوطنية في الناس لا عن بناء الشهادات او اعادة بناء العمارات او المدن، ولك في ما تبقى (!) من الصورة الشعبية المليونية المدهشة يوم 14 آذار من عام 2005 خير دليل وخير حافز.
تعرف جيداً ان المسافة التي قطعتها منذ وقفت وقلت للناس: "انا محسوبكم سعد"، الى ان ذهبت الى البرلمان وقرأت بيان حكومتك الاولى، كانت بمثابة زمن او بالاحرى قطاف عمر متوارث لم ينشطر ونضال متوارث لم ينفك اذا صح التعبير.
لكن كل هذا في كفة وعبورك "خط الريبيكون" في كفة. فليس قليلاً انتصار السياسي فيك على الشخصي، وتقدم المطلوب على الموروث، واحتضان حامل المسؤولية حامل الجرح!





الآن تدخل الى السلطة. السلطة اياها التي صنعت مثلاً "تفاهم تموز" عام 1996 لشرعنة المقاومة وإسقاط مفاعيل عدوان "عناقيد الغضب". السلطة اياها التي فتحت نوافذ فرنسا ودول اوروبية اخرى على دمشق، والسلطة اياها التي جمعت العالم اربع مرات. مرة في واشنطن وثلاث مرات في باريس، من اجل نهوض لبنان واعماره ورصد المليارات لدعمه رغم كل ما قال المتضررون حسداً وتخريباً!
ولأنك اخترت ان تبدأ ممارسة السلطة والمسؤولية رافعاً شعارات الاهتمام بالناس وبحياتهم وشؤونهم ومطالبهم وجروحهم الكثيرة. فأنت تعرف ونعرف نحن ويعرف الناس "انهم" لن يسهّلوا عليك الامر. سيضعون كثيراً من العصي في دواليبك وهم يقدمون لك الابتسامات ومعسول الكلام، اولم يفعلوا ذلك مع والدك من قبل؟
اذاً ابتسم فأنت في لبنان. ولكي تنجح عليك بشيء من "التقيّة". ولكن واصل السعي لتحقيق الاهداف. وان لم تجد وقتاً كافياً للنوم، او لاستجابة "فلسفة" روح الشباب، وتيقّن ان العمر في المسؤولية والسلطة له تقويم مختلف وروزنامة اخرى.
تعرف ان لبنان واحة تحبو على درب النمو والحياة، ولكن وسط دائرة من النيران المتربصة والاخطار المحدقة. التفت وتأمّل وحدّق الى الخرائط والاحتمالات. لبنان في قلب "التسونامي" الناري العاصف الممتد من آسيا الى افريقيا والمطل على اوروبا.
تعرف ايضاً ان اللبنانيين يريدون خلاصاً ومتنفساً هادئاً وحياة معقولة، تعرف ايضاً ان ليس هناك من سيفرش لك الطريق بالزهور، ففي "النادي السياسي" يعلقون البنادق والسكاكين والانياب هي زينة تثير فيهم الاعجاب والمفاخرة!!


اعمق من كل هذا، تعرف ان والدك اغتيل لان المطلوب اغتيال لبنان. قصفوه ليسقط البلد نهائياً. وتعرف بالتأكيد انك تدخل السرايا لأمرين:
ان تواصل ما اراد والدك تحقيقه استجابة لأمانة في نفسك، وان تسعى لدفع لبنان على الطريق ليكون جوهرة آسيا، في وقت تتهاوى المدن كالاوراق الذابلة ربما لانها تفتقر الى روح لبنان.
والآن فلتنجح. فلتكن داهية وابتسم انت في السياسة. ولتكن كاسحة ألغام في مواجهة المشاكل. ولتكن حليماً في ترويض العداء التلقائي يقرع ابوابك بلا سبب، وليكن لعملك شفافية تمنع "المحبين" وما اكثرهم من الاشارة الى الضوء والقول: أوليست هذه هي الظلمة وما وراء الظلمة؟!
الآن تستقبلك سنة 2010 او انت تستقبلها. تدخل الى السلطة مُتلبِّساً والدك او هو مُتلبسك. هذا قدرك وقدره ايضاً، فمن قال ان ليس في بعض السلطة و"امكنتها" رياح تراجيديا اغريقية، ومن قال ان الانتصار لا يخرج من رحم الألم؟!