الحل بتطهير “الهيكل”! – راجح الخوري – النهار

يخلص المرء بعد قراءة أولى في الوثيقة التمهيدية لسينودس الشرق الأوسط، المقرر عقده في الخريف المقبل، الى سؤال بسيط:


ما فائدة تشخيص الداء للمريض اذا لم يكن قادراً على الوصول الى الدواء؟





كان في وسع الفاتيكان، وتحديداً المجلس التمهيدي للسينودس الذي ضم سبعة بطاركة من كنائس الشرق، ان يساعد "المريض" فعلاً في الاستحواذ على الدواء، لو انه قرر ان يرفع الصوت قليلاً او بالاحرى ان يصرخ في وجه انظمة الغرب المسيحي التي تمضي في تطبيق سياسات عمياء وحمقاء في الشرق الاوسط، ارتدت وترتد سلباً على المسيحيين في هذه المنطقة. ويمكن الآن ان يتسع ارتدادها المؤذي وقد بانت مؤشراته مؤخراً في العراق ومصر وماليزيا على سبيل المثال لا الحصر

تقول وثيقة العمل التمهيدية وعنوانها "الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الاوسط: مشاركة وشهادة"، إن النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني واحتلال الاراضي يشكلان سبباً اساسياً لجعل حياة المسيحيين في المنطقة اكثر صعوبة وتهجيرهم ايضاً


لا ينطوي هذا التشخيص على اي مغالاة وإن كان يتجاوز مثلاً موروثات الحروب الصليبية في المنطقة، وهي من الامور التي يستطيع المرء ان يضعها في ذمة التاريخ رغم انه يفترض جدلاً ان تشكل هذه الحروب وما خلّفته في السيكولوجيا الاسلامية درساً يصحح أداء "الفرسان" الجدد في العالم الغربي، من آرثر بلفور ووعده البغيض والكارثي الى جورج بوش وحروبه المجنونة وتصريحاته الاكثر جنوناً


نحن نتحدث هنا عن قرن كامل تقريباً من الجنون والحماقة، والمؤامرة التي ارتكبتها السياسات الغربية الاوروبية بالامس، ثم الاميركية الآن، عندما زرعت الكيان الاسرائيلي في المنطقة ودعمته في التوسع والحروب واحتلال اراضي الآخرين كما "تدعمه" الآن في افشال التسوية السلمية، غير عابئة بما يمكن ان يسببه هذا من الاذى للمسيحيين في الشرق!


واذا كانت الوثيقة قد اشارت صراحة الى اهمية التفريق بين السياسة والدين، بمعنى ان أتباع الدين المسيحي في الشرق الاوسط يجب ألا يتحملوا اوزار الاخطاء واحياناً الجرائم التي ارتكبتها سياسات الغرب المسيحي في فلسطين والمنطقة، فإن ذلك يشكل مجرد مقاربة نظرية او بالاحرى سطحية لواقع الامور، واكثر من هذا انه يشكل جهلاً بحقائق الاسلام الذي هو دين ودنيا، وإن كان قد أسدل دائماً "ستائر السماح" مدخلاً لقبول الآخرين!

وعندما تقول الوثيقة إن "التيارات المتطرفة تشكل تهديداً للجميع مسلمين ومسيحيين وعلينا ان نواجهها معاً" فهذا امر صحيح تماماً، وخصوصاً عندما نتذكر ان الذي أيقظ التطرّف ورعاه في افغانستان، مستعملاً اياه ضد الاتحاد السوفياتي سابقاً، هو اميركا التي تمثل في النهاية "امبراطورية مسيحية" في نظر الكثيرين من اهل الشرق الاوسط والعالم الاسلامي، فكيف اذا اضفنا الى هذا "المؤامرة الصهيونية" الكبرى التي سعت وتسعى دائماً الى تصوير المسلمين كإرهابيين في نظر الغرب، هذا الغرب الأعمى الذي لم ينجح بدوره منذ "غزوة نيويورك" تحديداً في التفريق بين الاسلام والارهاب؟!


صحيح ان الاحتلال الاسرائيلي والصراع العربي ضد المحتلين يشكلان سبباً لتهجير المسيحيين وهجرتهم بعد تصعيب حياتهم في الشرق الاوسط، ولكن الصحيح ايضاً ان "الدواء" لهذا الداء الخطر يفترض ان يأتي من منابع الدين المسيحي تحديداً على شكل ادانة صارخة ودائمة وشجاعة لسياسات الغرب المسيحي الذي دعم ويدعم الكيان الاسرائيلي، فالكنيسة لا تستطيع ان تقف على الحياد وتكتفي بالتشخيص وتدعو الى فصل الدين عن السياسة، على الاقل، لأن جوهر الدين المسيحي يرفض الظلم والقهر والاذى وانتهاك حقوق الآخرين


واذا كان من الضروري الآن دعوة الأحبار السبعة في السينودس الى تذكّر الوصايا العشر في هذا السياق، فمن الضروري ايضاً ان نتذكّر كيف دخل السيد المسيح بالقوة لطرد التجار من الهيكل. فمن ذا الذي يطهّر الهيكل الفلسطيني او يفرض على الاقل سلاماً عادلاً على التجار وشذاذ الآفاق في تل أبيب؟

ثمة اشارة اخرى في الوثيقة يجدر التوقف عندها وخصوصاً عندما تتحدث عن وجود انقسام عميق بين المسيحيين في لبنان سياسياً ومذهبياً


نعم، الانقسام السياسي موجود، وهو يرتبط بأسباب شخصية كثيرة وقبل ذلك بتاريخ ابناء الكنيسة الغربية في لبنان وما عانوه على امتداد الزمن من التنكيل والاضطهاد، وهذا ما عمّق فيهم النزعة الفردية عبر الاعتماد على الذات فقط، في غياب حماية السقف السياسي للأنظمة والدول


لكن الحديث عن انقسام مذهبي غير صحيح على الاطلاق، فبين الكنيستين الغربية والشرقية في لبنان مسار من التفاهم مستقيم الرأي