الارقام لا تكذب، وبالنسبة الى خفض سن الاقتراع الى 18 سنة، فإن التوازنات الطائفية في البلاد ستهتز بشدة في غير مصلحة المسيحيين. وهذا ما لا يمكن لبنان تحمله لا اليوم ولا مستقبلاً. وإذا كان منح الشباب من سن الثمانية عشرة حق الاقتراع هو باب من ابواب الاصلاح الانتخابي من خلال اشراكهم في صوغ خيارات الوطن من الاستحقاقات المحلية الى الوطنية، فإن هذا الحق، وبحسب الارقام التي ما عادت سراً، يعطي بيد ويأخذ أكثر من يد أخرى! ومن هنا فإن تأجيل الموضوع ونحن على ابواب اقرار قانون الانتخابات البلدية امام تمديد للقديم او إدخال اصلاحات محدودة عليه يصير أمراً مفروغاً منه في ظل التفاوت الديموغرافي الكبير في البلاد بسبب تقلص الكتلة الناخبة المسيحية المقيمة الى حدود مقلقة تتطلب عملاً جدياً على مستوى ربط الكتلة المسيحية المهاجرة بالوطن بأي وسيلة ممكنة. ولعل منح المغتربين حق الاقتراع يمثل حلاً معقولاً لمنع انزلاق لبنان من التعددية القائمة على التوازن الدقيق بين مكوناته الطائفية الى حالة تشبه حال العراق مع نزوح مسيحييه وانقطاعهم عن الوطن الام، او مصر مع هجرة كتلة قبطية كبيرة بشكل نهائي، وتفاقم النزاعات الدينية فيها كما نرى منذ بضعة أعوام
إذاً يفترض فقدان التوازن الطائفي في لبنان المقيم قرارا على مستوى وطني يعيد وصل ما انقطع من صلات مع لبنان الانتشار الذي لا يقتصر على المسيحيين فحسب، بل يتعداه الى المسلمين أيضاً. انما وبحسب الارقام والواقع يمثل تحدي اعادة ربط المسيحيين الذين هاجروا نهائياً هدفاً مهماً لجهة مساهمته في منع تحول لبنان ارضاً يهجرها نصف اهلها، ليذهبوا ويذوبوا في مختلف اصقاع العالم منقطعين عن لبنان الى الابد
اكثر من ذلك، وفي مناسبة اطلاق رئيس مجلس النواب نبيه بري حملة لتشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية، فإن العمل على منح المغتربين حيث هم حق الاشتراك في كل الاستحقاقات الانتخابية صار امراً عاجلاً، لا بل عاجلاً جداً. اضف الى ذلك السعي الى حض المغتربين حاملي الجنسية اللبنانية على تسجيل اولادهم، وكذلك المغتربين من اصل لبناني ممن فقدوا على مرّ العقود جنسياتهم بسبب إهمال على تقديم طلبات لدى المحاكم اللبنانية لاستعادة جنسياتهم التي تبقى حقاً لا يمحوه الزمن. وأخيراً وليس آخراً، ومن أجل انصاف المرأة اللبنانية، فإن اعطاءها حق منح اولادها جنسيتها ينبغي حسمه وبسرعة
ان منح المغتربين حق التصويت هو المهمة العاجلة التي يتعين فيها على فئات عانت وتعاني نزفاً خطيراً في أعداد المقيمين هنا كالمسيحيين وطوائف اسلامية اخرى كالدروز، ان يضعوه بنداً اول على جدول اعمالهم من اجل انقاذ لبنان التعددية، لئلا يقال ان في لبنان "هنوداً حمراً" أيضاً!