بين صعوبات امتلاك قرار الحرب والسلم والتمسّك بتنفيذ القرار ١٧٠١ الحريري لديبلوماسية استباقية تقي لبنان من التهديدات الإسرائيلية – روزانا بومنصف – النهار

في الزيارتين الاخيرتين اللتين قام بهما رئيس الحكومة سعد الحريري لباريس والقاهرة اثار موضوع سياسي معين كل الاهتمام رغم انه كان للزيارتين طابع اقتصادي. وهذا الموضوع كان التهديدات الاسرائيلية للبنان وسعيه لدى الدول المؤثرة والمعنية من اجل تجنيبه عدوانا او حربا في ضوء كلام اسرائيلي متناقض بعضه يهيئ للحرب كأنها واقعة غدا لا محال وبعضه يرسم السيناريوات للمرحلة المقبلة

وسمع الحريري من المسؤولين الفرنسيين الكبار انهم يسعون لدى اسرائيل لوقف هذه التهديدات وتزامن ذلك مع كلام لوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير تخوف فيه من ان تحاول ايران الهروب الى الامام وقد يترجم ذلك بإقدام حلفائها في لبنان كـ"حزب الله" على تنفيذ عملية عسكرية ضد الدولة العبرية تثير ردا اسرائيليا كما جرى في حرب 2006 مما تسبب له بردود وانتقادات من سياسيين قريبين من الحزب




علما ان كلام كوشنير ليس جديدا من حيث تعبيره عن وجهة نظر غربية واسعة كررها قبل يومين ايضا مستشار الرئيس الاميركي لشؤون الامن القومي جيمس جونز، إذ أبدى خشية من سعي ايران الى افتعال اضطراب في المنطقة عبر حلفاء لها كـ"حزب الله" وحركة "حماس" تخفيفا للضغوط التي تواجهها في الداخل وتحويلاً للانظار. في حين ان هذه النظرية تجد من يقلل من شأنها لاعتقاد ان ايران لن تخاطر بخسارة مكتسبات باتت لها وهو ما ينسحب على "حزب الله" على الاقل الذي لا يستطيع تكرار الحرب لاعتبارات كثيرة ولو انه يؤكد جهوزيته واستعداده لكل احتمال


وسمع الحريري في العاصمة المصرية تطمينات كان سمعها الرئيس المصري حسني مبارك من وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك الذي كان في القاهرة قبل ساعات من وصول الحريري اليها ومفادها ان لا نية لدى اسرائيل لشن حرب على لبنان او سوريا شرط الا يكون هناك اي عملية استفزاز لها. وهذا يعني ان التطمينات الفرنسية والمصرية تصب في الخانة نفسها من حيث انه يقع على لبنان التزام جانب التهدئة تحت طائلة فقدان الدعم الخارجي لحقه في مواجهة العدوان ما لم تكن اسرائيل هي المبادرة الى ذلك. ولا يملك المسؤولون اللبنانيون لدى زيارتهم للخارج وفي مقدمهم الحريري ورئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي زار بعض الدول المؤثرة وآخرها واشنطن الا تأكيد التزام لبنان تطبيق القرار 1701 والمطالبة بان تنفذ اسرائيل بنود هذا القرار وتوقف انتهاكاتها الجوية شبه اليومية للبنان


وتعتقد مصادر معنية ان المسؤولين اللبنانيين لا يملكون سوى ان يقوموا بما يمكن اعتباره ديبلوماسية وقائية او استباقية درءا لكل الاحتمالات ولو ان الحرب مستبعدة في رأي كثيرين اقله في المرحلة الراهنة. لكن التهديدات الاسرائيلية ترتب على لبنان مجددا وضعا صعبا يخشى كثيرون ان يكون يتكرر من حيث سعي لبنان الى ضمان سلامه واستقراره وابعاد شبح الحرب عنه من خلال الاصرار على ان التهديد لفريق لبناني هو تهديد لكل حكومة لبنان ولكل شعبه كما قال الحريري اخيرا او من خلال تمسكه بالقرار الدولي 1701 كتمسكه في السابق بالقرار 425، في حين ان التطمينات الخارجية ترمى في ملعبه ان يكون قرار الحرب والسلم في يده عمليا مع معرفتها سلفاً وادراكها ان هذا الامر ليس في يد لبنان والامر يفوق قدرته وقدرة كل افرقائه السياسيين في الداخل

وذريعتها في ذلك والتي يمكن ان يحاول لبنان الرسمي ان يستقوي بها هو ان الحكومة الحالية حكومة وحدة وطنية تتحمل المسؤولية مشتركة في كل شيء


بالنسبة الى البعض الامر اشبه بمراحل عرفها لبنان مع الرئيس رفيق الحريري من حيث السعي الى التنمية الاقتصادية والانماء في موازاة العمل على درء المخاطر والتهديدات عن لبنان، في حين يقول البعض الآخر ان جزءا من التسوية التي ارساها التوافق السعودي – السوري في لبنان وعبره قبول ايران بها هو ارساء ما يشبه الستاتيكو الذي يقول بتهدئة الوضع على قاعدة ان لا حروب عبر لبنان ضد اسرائيل من جانب ايران مع تفهم لبقاء سلاح الحزب والتعايش معه في انتظار امكانات التفاهم السوري – الاميركي وكذلك التفاهم الايراني – الاميركي لأن موضوع هذا السلاح اقليمي وليس محليا فقط ولدى كل منهما ما يساوم فيه في هذا الاطار

وتاليا يبرز تساؤل لهذا البعض الاخير اذا كانت تسمية الولايات المتحدة سفيرا جديدا لها في دمشق تعني حصول واشنطن على شيء في المقابل من العاصمة السورية في حين ان على طاولة البحث بين الجانبين ما يتعلق بدعمها "حزب الله" وحركة "حماس". علما ان اي تطور حقيقي في الحوار لم ينجز الكثير حتى الآن وتعد تسمية السفير اول تطور ملموس اذا صح التعبير غير الاستقبالات التي تعبر عن بدء الحوار. فهذا التطور الاخير يعني بالنسبة الى هؤلاء المتابعين ان التقدم البسيط في العلاقات الثنائية لا يمكن تضييعه باللعب عبر اوراق لا تزال تعتبرها الولايات المتحدة في ملعب سوريا. وهذا جزء من الاطمئنان الى ان التهديدات الاسرائيلية بالحرب لا معنى لها في هذا السياق