عندما يدخل بن لادن العصر الحديث – عبدالله اسكندر – الحياة

أضاف أسامة بن لادن مهمة جديدة لأنصاره في العالم. فالى «مواصلة قتال الظالمين في العراق وأفغانستان إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل ونصرة للمسلمين، لا سيما في فلسطين ودفاعاً عن المستضعفين والمنكوبين في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية»، يطالب بن لادن بمكافحة الانبعاث الحراري ومعالجة الأزمة الاقتصادية العالمية. كما أعلن في تسجيل صوتي قبل يومين.

دعوة بن لادن الى «مواصلة الجهاد» تقع في صلب خطابه الايديولوجي والسياسي التقليدي، ولا جديد فيها. لكن إعلانه الاهتمام بالبيئة والاقتصاد يشكل مؤشراً الى أن الرجل يسعى الى إظهار انه اكتشف مشكلات العصر الحديث وليس فقط استعادة الزمن الزاهر الغابر. أي أنه بات يعي «العولمة ومآسيها»، كما قال.




ومع دخوله في المرحلة الجديدة من التفكير، لم تعد المهمات التي يطالب بها، من أجل حل مشكلات العصر الحديث، تقتصر على «المجاهدين» فحسب. وإنما ينبغي أن ينخرط فيها «أهل الأرض جميعاً». إذ خاطب هؤلاء بالقول: «إنه ليس من الإنصاف والعدل ولا من الحكمة والعقل أن يترك العبء على المجاهدين وحدهم في قضية (التغيير المناخي) يعم ضررها العالم أجمع».

بذلك يضع بن لادن نفسه في موقع زعامة عالمية للتصدي لمشكلات العصر الحديث، خصوصاً أنه يخاطب «أهل الأرض جميعاً»، وتمتد ساحة المعركة التي يقترحها على امتداد الكرة الأرضية.

ويعني ذلك أن إظهار بن لادن لوعي بعض مشكلات العصر الحديث، وهي هنا البيئة، هو السبيل له لقيادة جبهة عالمية جديدة، تُضاف الى تلك التي أطلقها في نهاية القرن الماضي ضد العالم الغربي، وباتت تُعرف باسم «القاعدة». فهل بات يشعر أن الشعارات التقليدية لهذا التنظيم باتت تتآكل ولم تعد تجتذب «مجاهدين» كما اجتذبت في السابق؟ أم أن الحملة الدولية عليه باتت تحاصره، أو تحبط بعض خططه؟

لنفرض أن هذا «الوعي الحديث» لدى بن لادن حقيقي، وأن الرجل مشغول بمصير الكرة الأرضية وهناء سكانها، فالى أي مدى يفرض هذا الوعي إعادة النظر في كل استراتيجية «الجهاد والقتال المستمر» السابقة، وكل ما تنطوي عليه من إرهاب يطول أساس هؤلاء الناس الذين يريد هناءهم؟ والى أي مدى يفرض هذا الوعي فهماً لتعقيدات العالم الحديث وتشابكها؟

يظهر بن لادن، كما يتضح من رسالته الصوتية الأخيرة، أن هذا الوعي تبسيطي الى أقصى الحدود. إذ يحصر السبب في أصحاب الشركات الكبرى الذين «هم الجناة الحقيقيون»، وإن كانوا يلقون الدعم من الإدارة الأميركية. بما يُفهم منعه أن المشكلة تصدر فقط من الولايات المتحدة والعالم الغربي، واستبعاد البلدان الناشئة صاحبة أكبر كمية من الانبعاث الحراري، خصوصاً في آسيا وأميركا اللاتينية.

المعالجة التي يقترحها بن لادن لا تقل سذاجة عن حصر مشكلة المناخ بالشركات. إذ تكفي مقاطعة البضائع الغربية، فتتوقف هذه الشركات عن العمل ومن ثم يقّل الانبعاث الحراري.

ويطلب بن لادن دعم هذا المقاطعة بالتخلي عن الدولار الأميركي الذي توقع له انهياراً كبيراً، تنهار معه الولايات المتحدة. وذلك بإقصاء قسري لكل القوانين الاقتصادية والمالية والارتباطات الدولية.

ويصل بن لادن الى ذروة انفتاحه على العالم الحديث بالاستشهاد بالمفكر الأميركي نعوم تشومسكي صاحب وجهة النظر النقدية في كيفية ممارسة الحكم في الولايات المتحدة والرأسمالية الحديثة. وكأن زعيم «القاعدة» يريد أن يقول إنه لم يدخل العصر الحديث من باب البيئة والاقتصاد فقط وإنما من باب الثقافة أيضاً. فهو مطلع على النظريات الثقافية الحديثة أيضاً، ويؤيد بعضها، كما في تأييده لتشومسكي في تشبيهه السياسات الأميركية بسياسات عصابات المافيا. لكن لم يظهر أن هذا الاطلاع على الثقافة الحديثة ترك أثراً منهجياً وفكرياً وسياسياً، وإلا لكان العالم أكثر من فسطاطين.