هل انتهى اللعب في الوقت الضائع على لبنان? سؤال يفرض نفسه عشية الانتقال من مرحلة الوعيد الى مرحلة الوعود. من نصف عام بلا عمل منذ الانتخابات النيابية الى مطلع عام جديد يرتفع فيه منسوب الأمل برغم التحسب للمفاجآت في ميزان القلق. فالكل يتحدث عن (ورشة عمل) تستعد لها الحكومة التي نامت على حرير الثقة بحجة الأعياد. ولا أحد يعرف الى أي حد تستطيع الحكومة التمييز بين الأمور (الملحة) وبين الأمور (المهمة)، ثم معالجة ما هو ملحّ من دون تجاهل ما هو مهم.
لكن الظاهر في الخطاب الرسمي أن ملء الشواغر في الادارة هو مسألة ملحة ومهمة في آن. فالكلام كثير على معايير الكفاية والنزاهة والجدارة، بالاضافة الى آليات مثالية للتعيينات. والتجارب الماضية تضع علامات استفهام كبيرة حول الامتحان الجدي لمجلس الوزراء. ولا بأس في اللجوء الى الأمل، وإن كانت الوعود أقل من عهود في جمهورية المواعيد غير الثابتة. أليست التجربة الصعبة في تأليف الحكومة طرية? أليس موعد الانتخابات البلدية، وهو استحقاق قانوني لا مهرب منه، أسير معوقات وأحاديث وربما رغبات في التأجيل لأسباب ينطبق عليها المثل: (حجة لا تقلي عجة)
ذلك أن التعيينات الادارية تشمل نحو ثمانين مركزاً قيادياً بالاضافة الى مجالس الادارة المتعددة. وهي تشكل، بعد الحكومة، كعكة كبيرة بالنسبة الى أمراء الطوائف والمذاهب. وليس أكبر من كعكة الادارة سوى شهوات الزعماء الى تقاسم الحصص فيها. واذا كان المأمول فيه هو الارتفاع فوق الشهوات والخروج من قاعدة (مَن حضر السوق باع واشترى)، عبر فتح الباب أمام أصحاب الكفاية والجدارة، فإن الملموس هو المحاصصة
وليس من السهل أن نتصور حدوث ()معجزة) اسمها الانتقال من أكبر معركة محاصصة في تأليف الحكومة الى أوسع تفاهم مثالي عن ملء الشواغر في الادارة. فلا المحاصصة الطائفية والمذهبية انتهت بتأليف الحكومة. ولا المناخ السياسي تبدل في البلد، بحيث لم يعد السباق على ممارسة النفوذ أعلى مراحل السياسة في غياب السياسة بمعناها الراقي كفن لادارة شؤون الناس والمجيء بادارة لا هم لها سوى خدمة الناس بدل خدمة الزعماء. وعلى صورة المجيء بالوزراء يأتي المدراء
الوزراء وكلاء للزعماء. والمدراء وكلاء للزعماء وحتى للوزراء. ومَن ليس له زعيم يدعمه، ولو كان انشتاين، فإن الباب المفتوح أمامه هو الهجرة الى حيث تعطى الفرص لأصحاب الكفاية والجدارة
أليس وضع الادارة اليوم في تراجع عما كان عليه في بداية الاستقلال وحتى أيام الانتداب الفرنسي وقبله السلطنة العثمانية?