أمور كثيرة باتت محسومة ومؤكّدة، في موضوع العلاقة المستقبلية بين وليد جنبلاط ودمشق. أمر أول مؤكّد أن سيد المختارة سيزور العاصمة السورية، وأن الرئيس الأسد سيستقبله. أمر ثانٍ أن الإعداد للخطوة، عُهد به حصراً إلى السيد حسن نصر الله. والأمر الثالث، أنّ ثمة لفتة في الإخراج والشكل والتنفيذ، ستُعطى للنائب طلال إرسلان، لمناسبة القيام بها. لكنّ السؤال الأساسي الذي لا يزال مطروحاً، هو متى موعد الزيارة؟
في الأوساط المعنية بحصولها، ثمة رأيان كانا يُتداولان، حتى اللحظة. رأي أول يقول بمزيد من الاستئخار. ويسند أصحاب هذه المقولة منطقهم إلى أكثر من عامل، منها التأكّد أكثر من صدق جنبلاط في توجّهه الجديد، ومن نهائية انعطافته
ويسارع هؤلاء في هذا السياق بالذات، إلى سَوق مثل على صحة تفكيرهم، هو مضمون كلام سيد المختارة إلى وكالة الصحافة الفرنسية قبل أيام، وتحديداً يسطّرون أكثر من خط تحت قوله إنه ليس نادماً على الأعوام الأربعة الماضية، ليستنتج أصحاب الرأي المتريّث، أن ثمة رواسب للخطاب الجنبلاطي الماضي يجب أن تزول كلياً وجذرياً. حتى إن صاحب التصريح فوتِحَ بهذا المضمون، من باب التدقيق في مدى مطابقته الحرفية لما كان مقصوداً وما كانت النية من الكلام
عامل آخر يسوقه دعاة التأخير، ألا وهو استكمال فعل الانقلاب الجنبلاطي داخل فريق الأكثرية السابقة. وهو استكمال مطلوب منه في الأشخاص كما في الخطاب. وسأل هؤلاء أنه ما دام هناك أعضاء في اللقاء الديموقراطي لم يحسموا أمرهم بعد، بالانعطاف، فكيف الوثوق بالقدرة الجنبلاطية على التأثير في المكوّنات الأخرى من حلفائه
ولا يخفي هؤلاء تفضيلهم في هذا المجال ترك موعد الزيارة الشامية إلى ما بعد 14 شباط المقبل، حيث يكون هذا الموعد امتحاناً لدقة الموقف الجنبلاطي من جهة، وقدرته الإشعاعية على ساحة الحدث الشعبي المرتقب في هذا التاريخ، مقارنةً بقدرته التعبوية في المكان نفسه سابقاً، وفي الأعوام الأربعة الماضية تحديداً
في المقابل، يبرز في الأوساط المعنية بالخطوة الجنبلاطية في اتجاه دمشق، رأي آخر معاكس. رأي يقول إن الاستعجال أفضل، لسببين اثنين أساسيين، فضلاً عن أخرى مساعدة ومواكبة
السبب الأول، هو أن المطلوب ليس زيارة وليد جنبلاط الشخص إلى الشام، بل ذهاب من يمثّله وما يمثّله أبو تيمور معه إلى هناك، وذهابهم معه في السياسة والجغرافيا والموقف. وهذا يعني عملياً، ضرورة الحرص على قدر معيّن من قوة حضور وليد جنبلاط في شارعه وجماعته، وعدم تركه عرضةً للاستنزاف، كما هو حاصل اليوم. يقول أصحاب هذا الرأي، إن إطالة الوضع الراهن، مع نصف استدارة جنبلاطية ونصف ملاقاة سورية، قد تفتح الشارع الداعم لسيد المختارة، على مزايدات ومزايدين، وعلى تطرفات ومتطرفين. وقد يعزّز هذا الوضع من يغذّي تلك الحالة لإضعاف جنبلاط، إنْ من بين حلفائه السابقين، أو حتى من بين أصدقائه اللاحقين. وحالة كهذه لا تفيد إطلاقاً الغاية المرجوّة من العلاقة بين جنبلاط ودمشق، حتى إن أصحاب هذه المقولة باتوا يقدّمون منذ الآن أدلة على عوارض مقلقة من هذا النوع، في بيروت، كما في الجبل
السبب الثاني الداعي إلى تعجيل الزيارة، لا تأجيلها ـــــ ودائماً بحسب المعنيين ـــــ مرتبط مباشرةً أيضاً بموعد 14 شباط المقبل. يقولون إن صورة وليد جنبلاط في الشام، ستقضي نهائياً على أي صورة لاحقة لفريقه في ساحة الشهداء، وستفرغها من معناها، وتجعلها بلا مضمون. لا بل ستضع سقفاً واضحاً ومنخفضاً لخطاب تلك المناسبة، وهو خطاب سعد الدين الحريري وحده، كما يفضّل جنبلاط، وكما أبلغ المعنيين بالمناسبة، فضلاً عن أن صورة دمشق، ستكون كافية لزعزعة معنويات آخر صقور تلك المناسبة، وزرع توترات بين القواعد، كافية لتجويف الحدث
أيّ الرأيين سيكون الراجح؟ لا إشارات حاسمة حتى اللحظة، مع أن معلومات كانت قد أكدت أن زيارة إلى العاصمة السورية حُددت هذا الأسبوع للوزير غازي العريضي، قبل أن تلغى، وهو ما أشار إلى كونها لم تعد لازمة ولا ضرورية، لأن زيارة «المعلمّ» باتت وشيكة جداً. والإشارة المؤذنة بحصولها، كلام إعلامي لجنبلاط موجّه إلى «الشعب السوري»، ومطعَّم ببلاغة من يريد الإبلاغ عن شيء بليغ…