المستقبل يتجرّع «كأس السم»: غُلِبنا… ولم نعتذر – حسن عليّق – الاخبار

وضعت زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى دمشق، ولقاؤه «الدافئ» مع الرئيس السوري بشار الأسد، أنصارَ تيار المستقبل أمام موقف قد يكون الأصعب لهم خلال السنوات الخمس الماضية؛ فهؤلاء جَمَعَهم، في ما جمعهم، اتهام سوريا باغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، ومن قضى بعده قَتلاً في لبنان. كان هذا الاتهام بمثابة اليقين. وكانت «الأسطورة المؤسسة» لشعاراتهم ترتكز على نظرية تعيد «التضييق السوري» على رفيق الحريري إلى لحظة وصوله إلى الحكم عام 1992. فمنذ ذلك الحين، بحسب الرواية، عطّلت سوريا، مباشرة أو بواسطة حلفائها، كل محاولات الحريري لبناء «الدولة»، كذلك فإن كلّ شرّ اقتُرف خلال حكم الحريري كان مصدره دمشق. إما أنها نفذته، أو أنها أجبرت رئيس الحكومة الأسبق على فعله، وإما أنها منعته من اجتنابه. وقبل اغتياله، تؤكد الرواية التي تداولها الحريريون طيلة الأعوام الماضية كالكلام المنزل، أجبر بشار الأسد رفيق الحريري على التمديد لإميل لحود، وهدّده في آخر لقاء جمعهما. ورستم غزالي أسمعه كلاماً لا يليق بمقام الرئاسة الثانية. ثم قتلت سوريا الحريري، وبعد اغتياله تعاملت مع الأمر على قاعدة «كاد المريب أن يقول خذوني».


كان أنصار الحريري يطربون لسماع وليد جنبلاط يتحدّث عن الثأر من «بشار». والأخير هو نفسه من كان يصعب، يوم السبت الفائت، إبعاد سعد ابن رفيق الحريري عنه، وهما يتبادلان القبل على مدخل قصر تشرين في «سوريا الأسد».





أنصار تيار المستقبل رأوا صورة زعيمهم على شاشات التلفزة. ورغم كل ما سبق، فإن أحد مسؤوليهم يؤكد أن «ما يشبه استطلاعاً للرأي نظّم خلال اليومين الماضيين في صفوف أنصار التيار، بيّنت نتائجه أن زيارة الحريري إلى الشام تحظى برضى ما لا يقل عن 75 في المئة من المستطلَعين». لكنّ ذلك لا يحجب أن معظم أنصار التيار الذين يُسألون عن رأيهم في زيارة زعيمهم إلى من اتهموه بقتل رفيق الحريري، يبدأون إجاباتهم بكلام يوحي بأنهم يتجرّعون، غصباً، كأساً من السم. وبعد ذلك، يتلفظون بكلمة «بس»، ثم يتبعونها بكلمات مثل «مُشرّفة» و«جيدة» و«لا بد منها»، وما إلى هنالك من تعابير التبرير أو الواقعية السياسية

أحد المسؤولين البارزين في التيار يقول إن رضى الجمهور عن الزيارة ناتج من «طريقة إدارة خطوطها العريضة، لناحية احترام السيادة اللبنانية وإنهاء القفز من فوق الحدود». وبالأصل، «اتهامنا بالعداء لسوريا صدر عن حلفاء الأخيرة في لبنان. هم ألبسونا ذلك. وبعض الناس في قوى 14 آذار ارتكبوا أخطاءً، كالقول إن المشكلة التي كانت قائمة خلال السنوات الخمس الماضية كانت بين سوريا ولبنان، فيما المشكلة الحقيقية كانت بين النظام السوري ولبنان. وهذه الأخطاء تلقّفها الإعلام السوري، وبثّها من أجل وضع النظام في موقع الضحية، بما يؤدي إلى التفاف الشعب السوري حوله». وعندما يُقال إن العداء لسوريا لم يكن تهمة يوجّهها حلفاء سوريا لـ14 آذار فقط، بل إن بعض 14 آذار، وخاصة وليد جنبلاط، كان يتحدّث عن الثأر من بشار الأسد، ويطلب تغيير النظام في دمشق، يجيب المسؤول المستقبلي ممازحاً «كان جنبلاط يريد الثأر، والآن يريد السترة».


وفي رأي المسؤول نفسه، فإن الزيارة هي لكسر الجليد. و«هناك 96 اتفاقاً بين لبنان وسوريا، وينبغي أن تبادر الأخيرة إلى الاستماع إلى المطالب اللبنانية المتعلقة بهذه الاتفاقات». ويضيف أن جمهور التيار طرح أسئلة تتعلق في الدرجة الأولى بثلاث مسائل عالقة بين البلدين: المحكمة الدولية، والطريقة التي تعامل السوريون بها في لبنان، والاتفاقات. وعندما سمع المستقبليون زعيمهم يقول من دمشق إن المحكمة الدولية هي خارج سياق العلاقة اللبنانية ـــــ السورية، «شعروا بالاطمئنان». وفي الأصل، فإن زيارة الحريري، بحسب مسؤول مستقبلي آخر، هي تأكيد على أن «عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وأن التعامل السوري مع لبنان بات محكوماً بسيادة الأخير واستقلاله».


بدوره، يقول أحد الناشطين في قطاع الشباب والطلاب في التيار إن الزيارة «كانت ستحصل بطبيعة الحال. لكنها كانت مشرّفة. كان صعباً علينا تخيّل هذه اللحظة. لكنّ شكلها كان مطمئناً. نحن لم نتعرّض لابتزاز، ولم نقدم اعتذارات، كما هو مفروض على وليد جنبلاط أن يفعل. لكنها بالتأكيد كانت ستكون أفضل لو أنها كانت زيارة رسميّة».


ناشط آخر ممن يرى نفسه على يمين التيار، يرى أن ما جرى «ليس ضد ما كانت تطمح إليه قوى 14 آذار. ومن الواضح اليوم أن سوريا تعيش فعلاً حالة من النشوة بسبب ما تراه انتصاراً ناتجاً من صمودها. والرهان اليوم هو على الاستقرار في لبنان حتى إشعار آخر». وهذا الاستقرار ستسهم في إرسائه العلاقات بين الحريري والقيادة السورية. ويرى الناشط المستقبلي أن زيارة رئيس الحكومة إلى دمشق ستحقق مكاسب له تتعلق بأن «تمنع سوريا هجوم الشيعة وميشال عون عنه». وفي رأيه، فإن السوريين «سيحرّكون خلال الأشهر المقبلة ملفّي ترسيم الحدود والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، من دون أن يعني ذلك أنهما متجهان إلى الحسم. أما ملف المعتقلين والمفقودين، فمؤجّل إلى أجل غير مسمى». ورغم ذلك، يرى الشاب أن «في إمكان القيادة السورية أن تقدم حلاً للملف الأخير كهدية قيّمة للحريري

وهذه الهدية يمكن استثمارها لمصلحة الطرفين، وخاصة إذا جرى إخراجها بطريقة تُظهر الحريري منتصراً، والقيادة السورية صادقة معه». أما المحكمة الدولية، فيجزم الناشط ذاته بأنها لن تُمس، رغم اقتناعه بأن رئيس التيار «ما كان ليقدم على زيارة الشام لو لم يكن متيقّناً من أن المحكمة لن تُصدِر قراراً تتهم فيه القيادة السورية باغتيال رفيق الحريري». وماذا عن الجمهور المستقبلي؟ يجيب الناشط بأنه فوجئ بردود الفعل المتقبّلة لها. «فتوزير محمد رحال أدى إلى ردّ فعل أكثر حدّة بعشرات المرات من ردود الفعل على الزيارة. فجمهورنا في النهاية ليس جمهور القوات، وليست لديه مشكلة في توجهات الانفتاح على العالم العربي، وخاصة سوريا».


ناشط آخر في التيار يعلّق على الزيارة قائلاً: «أنا إنسان واقعي. نحن غُلِبنا على الأرض. وإذا ربحنا ألف انتخابات، فلا شيء سيتغيّر. نحن نرضى بأن يكون سعد الحريري عنواناً للنجاح في البلد في الفترة المقبلة. وما يهمّنا هو أن يبقى على قيد الحياة».