ماجدة تغني للحكومة – ساطع نور الدين – السفير

الانطباع الذي تركه الحفل الغنائي الممتع للفنانة ماجدة في البيال مساء السبت في ذكرى ميلاد الراحل رفيق الحريري، هو أنه كان احتفالا معدا سلفا ليصادف ايضا مع ميلاد الحكومة الجديدة، في ذلك اليوم الذي حدده كثيرون باعتباره موعدا اخيرا لنهاية الفراغ. لكن الموعد السياسي سقط، وبقي الموعد الفني الذي ضربته الفنانة القديرة مع جمهور كان يود ان يؤسس على الذكرى اكثر من ولادة جديدة.

ولعل الفنانة ماجدة كانت تدرك هذه التوقعات المتفائلة، فتهيبت اللقاء الاول من نوعه مع ذلك الجمهور، وارتجف صوتها قليلا في مطلع الحفل الذي غلب عليه الطابع السياسي، قبل ان تحلق بسرعة في فضاء اغنياتها الجميلة، تاركة خلفها سياسيين يصفقون بهدوء وحذر لكي لا يحتسب تصفيقهم موقفا، ما اوحى بأن معظمهم لم يطرب، او لم يتأثر بتلك الهدية الفنية النادرة، التي جادت بأحلى الانغام واللوحات والكلمات.. والتي قدمت من تراث والدها حليم الرومي، ما لا يمحى من الذاكرة، كما قدمت من نتاجها ما لن يمحى من الذاكرة ايضا، وجاءت بفرقة موسيقية روسية ومايسترو يليق بالمناسبات التاريخية الكبرى.




بدت ماجدة في الحفل كأنها ذروة التعبئة الفنية لجمهور بات يفتقد الى بقية اشكال التعبئة، سواء عندما قدمت الإهداء السياسي، او عندما غنت لبيروت وللوطن، فكان صوتها اقوى من الاستجابة له، وكانت كلماتها اعمق وأبعد أثرا من اي خطاب سياسي يمكن ان يلقيه احد من الذين كانوا يجلسون في المقاعد الامامية.. ويختلفون على طريقة تشكيل حكومة وحدة وطنية مع آخرين لم يحضروا الحفل او لم يتمثلوا فيه على قاعدة 15 ـ 10 ـ 5 ، لانهم على الارجح يعتبرونها خطيئة او حراما او مسا بالدستور وخرقا لاتفاق الطائف!

اكتسبت ماجدة هوية سياسية جديدة تضاف الى هويتها الفنية التي لا تقارن، وربما تحسم منها. لكن ما كسبه ذلك الجمهور ما زال محل شك واختبار. والقياس على درجة التجاوب في قاعة البيال مع سحر الصوت والشعر والايحاء، لا ينبئ بولادة جديدة – ثانية – لذلك الفريق الذي يقدر له فقط انه اختار الفن هذه المرة سلاحا، وأعلن رسالته بالتوق الى الحب والسلام من خلال الفنانة التي تختزل هذا المعنى، ولا يوحي بأن الولادة الحكومية العسيرة شارفت على الانتهاء.

لكنه موعد جديد يضرب مع الفن، وموعد جديد يضرب مع السياسة. الجمع بينهما كان مجرد لحظة عابرة، لن تصمد عندما تمضي ماجدة الى اغنياتها وإلى جمهورها الذي لا يمكن حصره في ذلك المكان، وعندما يمضي السياسيون الى البحث عن تشكيلة حكومية لا يمكن لاي صوت مهما كان عذبا ان ينجح في توليفها، وسط الكثير من الاصوات النشاز التي تصدح في كل مكان.

هل بات على الجمهور ان ينتظر موعد الحفل الجديد للفنانة ماجدة، لكي يتوقع موعد ولادة الحكومة الجديدة؟ لا بأس من ذلك النوع من الانتظار .