ناضَلوا لنبقى… فكيف نستمرّ ؟ – طوني حدشيتي

تروّيت كثيراً قبل الافراج عن هذه السطور، حتى جاء الوقت المناسب لإطلاقها. ها هي الحكومة الحادية والسبعون تكاد تبصر النور عقب نيل 14 آذار الاكثرية البرلمانية، وهذه المرة من دون قانون الـ 2000 والاتفاق الرباعي والدوائر المسيحية الرهينة في قبضة طوائف أخرى، وغيرها من المبررات والحجج التي لم تنجح طوال سنوات أربع في غش اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً. فقالوا كلمتهم في 7 حزيران من خلال قانون "رجّع الحق لأصحابو": "ما بدنا مشروع بلبنان الا مشروع الدولة "، وطمأنوا سيد بكركي الى ان لا داعي للقلق على هوية لبنان بعد اليوم، فالبلاد في أيدٍ أمينة مجدداً…

كذلك، لم تنجح الحملة التي حاول مناصرو "8 آذار" ان يعزّوا بها جمهور "التيار العوني" بتشديدهم على ان نواب الكتلة العونية أكثر عدداً من الكتلة القواتية، وذلك اثر احتفال القواتيين بعد انتهاء فرز الأصوات بفوز "ثورة الأرز 2"، والذي أغاظ حلفاء سوريا رغم محافظة القواتيين على حجم كتلتهم تقريباً، متجاهلين ان "القوات اللبنانية" هي مدرسة في تعليم الوطنية، ولطالما كان عدد هيئة المدرّسين في اي أكاديمية صغيراً في مقابل الصفوف الطويلة التي تتتلمذ على أيديهم.




ومهما حاولوا تشويه صورة المقاومة اللبنانية، سيشهد التاريخ دومًا على ان "القوات" هي الوحيدة من بين كلّ الذين شاركوا في أحداث 1975-1990، التي حملت السلاح في بداية المعارك من أجل الحفاظ على التعددية في لبنان، ونزعت السلاح عام 1990 لتفادي وقوع المزيد من الضحايا لغايات عشوائية ديماغوجية، ومن الجلي ان هدف "القوات" الرئيسي كان التضحية في سبيل خدمة اللبناني، وليس استعمال السلاح على حساب مصلحة المجتمع. وهي الوحيدة التي قطعت علاقتها بالخارج حتى قبل اتفاق الطائف، ورفعت شعار "لبنان أولاً" وأثبتت ان شهداءها سقطوا من أجل لبنان، على عكس ما تقوم به اليوم بعض القوى السياسية السلمية والمسلحة، التي مات مقاتلوها ويموتون فداءً لمصالح سياسة الفُرس والنظام البعثي.

واليوم ورغم الاحباط المتكرّر الذي أصاب المجتمع المسيحي منذ مطلع القرن الماضي بسبب فشل زعاماته في تحقيق الاستقرار فيه، وخصوصاً ان الكثيرين منهم لا يتحلّون بالكفاءة السياسية ولم يصلوا بهدف خدمة الجماعة والعمل لخيرها وانما لمصلحتهم الشخصية، فان الشارع المسيحي يضع آمالا كبيرة على "القوات".هذا ما أثبتته صناديق الاقتراع في الدوائر كلّها.

في المقابل، وبعد عناء طويل استمر منذ عام 1994، وبفضل تضحيات شبابها الشهداء منهم والأحياء وايمانهم الكبير بالقضية التي ورثوها عن أجدادهم، تمكّنت "القوات اللبنانية" من الوقوف على قدميها والعودة إلى الساحة السياسية من جديد، وهي على الصعيد الداخلي في طور التحضير لمؤتمرها العام الذي انتظره المناصرون منذ "ثورة الأرز 1"، والذي سيسعون من خلاله إلى طرح أفكارهم وتطلعاتهم كلّها فيه. ومن هذا المنطلق وفي إطار الاعداد للحدث المنتظر، وكناشط سياسي، أرى من واجبي توجيه رسالة الى مناصري "القوات" وقيادتها وكوادرها، تسلط الضوء على عناوين عريضة يجب ان يلحظها المؤتمر ونظام الحزب نصاً وتطبيقاً، وذلك إلى جانب دور الحزب السياسي في البرلمان والحكومة في تحسين أوضاع البلاد وخصوصاً المعيشية منها، والتي بات الجميع يعرفها (مياه وكهرباء وبيئة واقتصاد وتربية وصحة وشؤون انمائية وخفض الضرائب والرسوم والحد من الهجرة وغيرها…).

ان "القوات اللبنانية" هي لقاء شعبي كبير التقى مناصروها تحت سقفها لا تزلفًا لزعيم ولا ولاء لأشخاص أو ولعًا بهم، ولا طمعًا بمصالح معينة، وانما انضووا تحت لوائها على أساسٍ متين وعميق من المبادئ والخيارات والافكار التي رأوا ان "القوات" تجسّدها كتنظيم سياسي وحزبي. وبالتالي، فان إحقاق الديموقراطية داخلياً يجب ان ينطلق من أسفل الهرم إلى أعلاه، وأي قرار أو موقف يُتخذ باسم القوات وأجيالها، اضافة الى اختيار ممثليها في البرلمان والحكومة، يجب ان يكون مبنياً على رأي القاعدة الشعبية ويحقق آمالها وهواجسها.

 

من هذا المنطلق يأتي دور اللجان المحلية (مكاتب ومراكز) في المناطق التي يجب ان تكون صلة الوصل بين القاعدة ورأس الهرم (القيادة)، وتُطلعُ الطرفين بشكل مستمرّ على ما يجري في كواليس السياسة وعلى أرض الواقع. وهذه اللجان لا تكون فعالة وقادرة على التواصل مع القواعد الشعبية التي تقع تحت رعايتها وتتابع شؤونها وحاجاتها، ما لم تكن متفرغة للعمل الحزبي بشكل منتظم ومدركة لواجباتها وحقوقها. مع العلم والتأكيد ان هذين الطرفين (اللجان والقيادة)، وعلى كل المستويات، يجب ان ينتخبهما أعضاء الحزب (ولمدة محدّدة بمهل وفق مبدأ تداول السلطة) ويُسائلوهما ويُحاسبوهما ويكافئوهما، وذلك بعد حصولهم على بطاقات انتساب حزبية. وفي حين تتشكل داخل كل لجنة محلية هيئات وفِرق تختص بشؤون محددة، تقابلها بشكل رديف هيئات وفِرق مركزية في القيادة، مما يسهل الفصل بين من يهتم بشؤون السياسة العامة للبلاد داخل الحزب وبين من يدير أمور البيت الداخلي على حدٍّ سواء.

ومن المواضيع التي يجب أخذها في الاعتبار، وضع قوانين إجرائية في نظام الحزب تحدد كيفية ممارسة الديموقراطية (كما ذكرنا أعلاه) بشكل شفاف، وطبيعة المشاركة في صنع القرارات، وعلى أساسها يحصل كل ملتزم على حقوقه وفق انجازاته وعطائه وكفاءته. فنَستبعد بذلك شبح التهميش والقرارات الانحدارية والزعامات الفردية والتحكم الشخصي والاقطاعية ومفهوم المجموعات المحسوبة على "فلان وعلتان"، وبالتالي لا يعود من محرّمات ولا حدود تسيج أفق أي نقاش أو طرح.

وهنا لا بد من ان نتذكر القواتيين "العتاق" الذين لولاهم لما عرفنا "القوات اللبنانية" وتاريخها، وكيف سطروا بنضالهم ودماء رفاقهم الشهداء الشجعان أبرز المحطات العسكرية والسياسية، والذين لولا تضحياتهم لكنا مهجّرين في بقاع الارض، أو جثثاً هامدة أوقعها رصاص الغريب الحاقد. ولذا، على القيادة إعادة التواصل مع هؤلاء المناضلين والافادة من خبرتهم في العديد من المجالات والحقول، للتأكيد على وفائنا لهم وعدم نسيانهم، حتى لو أتت المحاولة متأخّرة وبعد انقطاع طويل فيبنون مع الجيل الجديد الذي انخرط حديثًا في العمل السياسي رؤية أفضل لمستقبل الوطن.

أما في ما يتعلق بالشأن المالي، فإضافة إلى إصدار الميزانية السنوية للحزب بشكل منتظم، يمكن القيادة بما توافر لديها من إمكانات ومن خلال المساعدات التي يقدمها الخيّرون ورجال الاعمال، ان تنجز مشاريع تجارية وصناعية تتناسب وحاجات السوق، فتوفر بذلك فرص العمل للكثير من أبناء المجتمع ذوي الأدمغة والطاقات والمواهب المحتاجة للاحتضان، وفي الوقت نفسه يستفيد الصندوق المركزي للحزب من مردودها.
وأخيرًا ، ورغم ان ما من شيء يعوض خسارة عائلات الشهداء، ومنهم أيضًا غير المسيحيين (أمثال: سميرة أحمد حمادة 76، أحمد شمص 76، علي نمر شرف الدين 76، عبد الحميد علوش 79، غسان علي ديب دكرمنجي 82، علي الدايخ 83، أحمد كردي 83، يوسف محمد قداحة 83، قيصر حسان فخر الدين 83، محمد علي زين، محمد سعدالله زعيتر، حسن أبو زيد، حسن مصطفى صبحا، محمد أحمد القاضي، محمد كمال سعد 90، عبدو حسن فخر الدين 90، خليل محمود الايوبي 90، ناصر خضر علام 90، نبيل عدنان غطيمي 90 وكثيرون غيرهم)، اكتفي بالطلبات الآتية:

– أولاً: انشاء مؤسسة تُعنى بملفات الشهداء ورعاية عائلاتهم وأولادهم على غرار رابطة "كروس رود" و"ماركت باور" و"عيادات الارز".
– ثانياً: تقديم مشروع قانون يساوي شهداء "القوات" بشهداء الجيش، وما يترتّب من تعويضات ورواتب شهرية تقدّم لعائلاتهم وامتيازات لأبنائهم.
– ثالثاً: الدعوة الى نشر صور شهدائنا في كل مكان (البيوت والسيارات والمتاجر) مُرفقة بنبذة عن سيرتهم وكيفية استشهادهم والمعركة التي سقطوا خلالها، وجعل منازل ذويهم مراكز حج يتوافد إليها الرفاق والزوار لأخذ دروس في ثقافة الحياة والنضال الشريف