أوجه التشابه بين الخلافات الفلسطينية الداخلية والخلافات اللبنانية الداخلية كثيرة. كذلك ثمة روابط عدة بين هذا الخلاف وذاك الى درجة ان البعض صار يربط بين الخلاف الفلسطيني والخلاف اللبناني بحيث انه لا يمكن حلحلة احدهما بمعزل عن الآخر. لكن يبدو ان فريق الموالاة في لبنان كان اكثر حذقا من الرئيس محمود عباس عندما ذهب الى انتخابات 7 حزيران الماضي، اذ ترك المعارضة تتوهم ان الاكثرية المقبلة ستؤول اليها حتما كونها تحوز الغالبية الشعبية، او في اسوأ الاحوال سيحصل التعادل في مجلس النواب ٦٤ مقابل ٦٤.
وصارت المشاركة في الاستحقاق أولوية لدى المعارضة فانبرت له بكل ما تملك من قوة وزخم حتى صدّق الجميع بمن فيهم الموالون انفسهم ان البرلمان الجديد لن يكون مثل برلمان الدورة السابقة. صارت الانتخابات سباقا محموما نحو الفوز عبر استخدام كل انواع التعبئة والعصبية والاسلحة المشروعة وغير المشروعة من اجل ضمان الفوز. وصارت المعارضة اكثر حرصا على انتخابات نظيفة حتى لا تشوش اي شائبة على "انتصارها" الموعود.
وبتخويف الاكثريين من فوز المعارضين ضمنت الموالاة عنصر تعبئة مجانياً ضمن لها اخيرا الفوز الكبير، والمهم هو من يضحك اخيرا، وان كان هذا الفوز لا يزال معلقا ولم يفتح بعد الطريق الى تأليف حكومة جديدة، في انتظار ماذا؟ ربما انتهاء الانتخابات في فلسطين او في العراق وولادة حكومتين جديدتين فيهما!
المهم انه كان في امكان عباس ايضا ان يجعل الانتخابات الفلسطينية طعما لالتقاط سمكة "حماس" واخذ موافقتها الوطنية عبر اغرائها او ايهامها بتقديم التنازلات لها كما فعلت الموالاة في لبنان عندما قبلت بقانون 1960 كما طرحته المعارضة، ومن ثم جرها طوعا الى شباك صناديق الاقتراع التي لا يعرف أحد ما تخبئه خصوصا ان الانقسام حاد في الشارع الفلسطيني والانهيار التام يأكل من رصيد الطرفين ما يجعل حظوظ "حماس" بالهزيمة مماثلة لحظوظ "فتح" او اكثر سواء اعتمد النظام النسبي او الاكثري.
صحيح ان "فتح" حظيت ببعض الاوكسيجين بعد مؤتمرها السادس، الا انها لا تزال تعيش صراع "ديوك" داخلها. وصحيح ان عباس يعاني من ازمة ثقة في قيادته خصوصا بعد فضيحة تقرير غولدستون والسير في مفاوضات عبثية لا تسمن ولا تغني من جوع. الا ان معاناة "حماس" مع جمهورها ليس أقل ابدا من معاناة "فتح" مع انصارها والمريدين لا سيما بعد حرب غزة التي تسببت لنصف الناخبين الفلسطينيين في القطاع بالآلام والخسائر المادية والبشرية، وفي ظل استمرار الحصار الخانق والحياة البوليسية المفروضة في القطاع وانتشار مظاهر التزمت الديني الفاقع.
واذا كان عباس يعتقد ان رفض "حماس" اجراء الانتخابات سيجعلها مسؤولة عن تعطيل هذا الاستحقاق الوطني وسيعرضها تاليا لمزيد من العزلة الفلسطينية والعربية والدولية، وان استنكافها عن المشاركة سيتيح لانصاره ونوابه ملء فراغها، فان اجراء الانتخابات او عدم اجرائها سيبقي "حماس" ممسكة برقاب غزة كما سيبقي "فتح" متحكمة بالضفة ولو جاءت النتيجة بعكس ما تشتهي سفنها.
ومن قال ان "حماس" التي تدّعي الشرعية مثلما يدعيها عباس لن تقدم على اجراء انتخابات رئاسية واشتراعية موازية في غزة تكون نتيجتهما رئيسين وبرلمانين فلسطينيين، واحد في الضفة والآخر في القطاع؟ وعندها على القضية السلام!
هل هذا ما يتوخاه عباس فعلا وتضمره "حماس" ضمنا؟
نحن في زمن العجائب… وكل شيء فيه يجوز!