قبل نحو أسبوع، وصل درّاج السرايا الحكومية نفسه إلى وزارة الاتصالات. وبالعجلة الطارئة نفسها، والبريد السري والعاجل جداً نفسه. هذه المرة رسالة فؤاد السنيورة إلى جبران باسيل، تقول إنه قرأ جريدة «الأخبار»، وتحديداً «أن مقالاً للصحافي جان عزيز تحدث عن أربعة ملفات»، بدت كأنها عالقة، أو أن المقال لمّح أنّ ثمة تقصيراً حكومياً في متابعتها ومعالجتها، ما اقتضى أن يطلب رئيس الحكومة من الوزير تزويده الملفات العائدة إلى هذه القضايا، ليطّلع عليها، وليبني على الشيء مقتضاه. ولم تغفل رسالة السنيورة إلى باسيل الإشارة إلى أن الأخير تحدث مراراً في وسائل الإعلام عن مسائل عالقة في وزارته، فيما رئيس الحكومة على غير علم بها، وبالتالي فالاستفسار عنها واجب.
في الشكل، طبيعي أن يتابع رئيس حكومة أعمال إدارات الدولة ومؤسساتها، لا بل هو واجب دستوري يقوم به. لكن في المضمون، ما يلفت إليه السنيورة هو قضايا أربع أثارتها هذه الزاوية في 29 أيلول الماضي، وهي للتذكير: ملف الهدر في تأسيس شركتي الخلوي، المقدّر بمليار دولار أميركي، ملف التنصّت، ملف قرصنة التخابر الدولي وملف محطة الباروك. وللتذكير أيضاً، فالملفات الأربعة أثارها الوزير المعني نحو ثلاثين مرة في تصاريح إعلامية ومقابلات صحافية. والأهم أن الملفات نفسها هي موضع إحالات قانونية أمام الجهات القضائية، عددها تحديداً إحدى وعشرون إحالة. من النيابة العامة التمييزية إلى هيئة القضايا في وزارة العدل، وما بينهما من نيابات مالية وهيئات قانونية مختصة.
لم يسمع السنيورة بأيٍّ من تلك المواقف، ولم يطلعه فريقه الاستشاري على أيٍّ من تلك الإحالات. ولا سمع من قاضٍ ولا من مدع عام ولا من وزير عدل شيئاً عنها. فاجأته «الأخبار» بأخبارها، فسارع إلى الاهتمام والاستفهام. قد يبدو ذلك منطقياً وقابلاً للتصديق. وقد ترشح النيّة الطيبة وبراءة القصد من إثارته… لولا الكثير من الوقائع والحقائق المغايرة.
سأل السنيورة عن 21 إحالة قضائية عن ملفات «الاتصالات»، بعدما تناهت إليه من مقال في «الأخبار»
أولى تلك الوقائع أن الوزير المعنيّ كان قد أثار مع السنيورة شخصياً، وداخل مجلس الوزراء، قبل تحوّله مستقيلاً بصرف الأعمال، قضايا التعطيل والعرقلة في وزارته. ومن الحقائق المغايرة لرسالة السنيورة، أن باسيل وضعه مباشرة في أجواء قضايا أربع أساسية، تحوم حولها علامات استفهام كبيرة، لجهة سلوك بعض الموظفين في الوزارة. وعدّد له تلك القضايا بالاسم: التخابر غير الشرعي وكيفية الترخيص لشركات أفادت منه سابقاً، وتوزيع السعات الدولية (E1) والشبهات حولها، وملف خدمة دي أس ال والسلوك المريب للموظفين المعنيين، الذي أدى إلى تأخير هذه الخدمة وإبطائها، وصولاً إلى وقف بعض الخطوات الضرورية لاستكمالها. وأخيراً، قضية مراكز كال سنتر، التي تعاني عرقلة غير طبيعية في تأسيس شركاتها.
ومن الحقائق الأساسية التي تغاير رسالة رئيس الحكومة ومضمونها الاستفهامي، أن السنيورة شخصياً يلتقي الموظفين المسؤولين عن هذه القضايا دورياً، في سياق تنسيق لصيق ودائم. والأهم أن هذا التنسيق هو من خلف ظهر الوزير، ويمثّل خرقاً فاضحاً لحرفية الفقرة الثامنة من المادة الـ64 من الدستور، التي تنص صراحة على أن أي جلسات يعقدها رئيس الحكومة مع الجهات المعنية في الدولة يجب أن تكون «بحضور الوزير المختص».
وثالثة الحقائق التي جانبتها رسالة السنيورة إلى باسيل، أن لبنان اليوم يعيش في ظل نظام «وثيقة الوفاق الوطني»، وهو النظام الذي جعل من الوزير شريكاً في الحكم، كامل الشراكة في سلطته الإجرائية. والمقتضى الميثاقي يفرض على أي مسؤول دستوري التعامل معه على هذا الأساس، لا بصفة وزير يُسمى ويُقال، كما كانت أحكام دستور 1926، ولا طبعاً بصفة أمين سر، كما تنص أعراف النُّظُم الرئاسية…
في أحد لقاءات الحريري مع ركن معارض، للتفاوض في موضوع الحكومة العتيدة، قال رئيس الحكومة المكلف: «اجعلوني أشعر بأنكم لا ترونني سنيورة آخر». قد يكون هذا الطلب مستحيلاً، إذا ما غابت «الاتصالات» وغاب «العدل»، كما تؤكد رسالة السنيورة الدرّاجة والعاجلة