لا تكمن أهمية «لقاء السواريه» في معراب, فقط في كونه جمع سعد الحريري بسمير جعجع والسيدة عقيلته.
ولا تكمن أهميته في توقيته المفاجئ ولا في دوافعه التي شغـّلت رؤوساً كثيرة للبحث عنها وعمن نصح بهذا اللقاء في لحظة تأليف حرجة ومعطلة.
كما لا تكمن في حميمية الحديث فيه, ولا مضمونه السياسي الذي أوحى وكأن أمراً ما يدبر في ليل تلك المنطقة, والذي ظهـّرته الإشارات الاستفزازية التي وجهت الى ميشال عون. او تلك التي التقطها الجنرال من بيت جعجع الذي حاول ان يسجل انتصارا على حساب ضيفه, فأجاد في الإيحاء والتصريح, وظهـّر نفسه كأنه صاحب الأمر وشريك الرئيس المكلف في توجهه وصانع موقفه وقراره.
بل إن أهمية «لقاء السواريه» تكمن بالإضافة الى ما سبق, في آثاره الفورية على الواقع السياسي, التي ارخت مشهدا جديدا يبرز انتهاء المرحلة الرمادية, وبالتالي دخول التأليف الى منطقة حسم الخيارات النهائية فإما ابيض وإما اسود.
وما من شك بأن المشهد الجديد يلقي على الحريري قبل غيره مسؤولية المبادرة في اتجاه الآخرين لبناء الهيكل الحكومي, لكن ما بدا انه اولوية ملحة بالنسبة الى الرئيس المكلف وقبل أي عمل آخر ـ اقله من حيث الشكل ـ هو تظهير حسن النية وإزالة العبء الذي أثقله به «لقاء السواريه», والتبرؤ من مواقف جعجع وإحراجاته. ومن هنا جاءت مسارعته الى طرق باب الرابية مجددا وإصراره على لقاء العماد عون في الرابية.
المثير للانتباه انه بدل اللقاء الواحد عقد اثنان بين الحريري وعون في الرابية, والأكيد ان الرئيس المكلف كان امام مهمتين أولاهما صعبة تتصل بمحاولته توضيح الصورة وتبديد هواجس عون التي فاقمها لقاء معراب الأخير, ويقول العارفون إن إزالة تلك الهواجس تحتاج الى جهود جبارة. وأما المهمة الثانية فهي الأصعب وتتصل بمحاولته صياغة تشكيلة حكومية جديدة تتضمن عرضا مقنعا للجنرال وسائر الأطراف.
الواضح من سياق المشاورات أن عون حدد سقفه النهائي بالثبات على مطلبه الأساسي واعتبر وزارة الاتصالات خطا احمر, لكنه فتح الباب امام الرئيس المكلف على امكان المقايضة العادلة حتى مع وزارة الاتصالات, بما يبقي حصته الوزارية وازنة وفعالة سواء على مستوى الحقائب او داخل مجلس الوزراء. وليس على امكان العودة الى تكرار الدوران في لقاءات فارغة, ومحاولة تفريغ حصته الوزارية من محتواها, كما حصل في اللقاء ما قبل الأخير بين الرئيس المكلف وعون, والذي شعر فيه الأخير بأن ما يطرح عليه ليس لإعطائه وزارات, بل لـ«تشليح» وزارات على حد تعبيره.
يقود ما تقدم الى السؤال التالي: ماذا سيطرح الرئيس المكلف, هل سيعطي عون ما يريد, هل سيبقي وزارتي الاتصالات والطاقة ضمن حصته, هل سيبادلهما, ومن حصة من سيبادلهما, وعلى حساب من, وكيف سيلبي الكم الهائل من الوعود التي قطعت للحلفاء في اسناد حقائب مهمة لهم, ومنها الوعد المقطوع للقوات بمنحها وزارة الطاقة, ومنها أيضا الوعد بإسناد وزارة العدل الى نواب مسيحيي 14 آذار ويتردد هنا اسم النائب بطرس حرب, علما ان هذه الوزارة يجري النقاش حول إسنادها لتيار الجنرال عون.
يجيب مصدر واسع الاطلاع, ان أهمية وزارة الاتصالات بالنسبة الى عون, توازي أهمية وزارة المالية, او الداخلية, او الدفاع. ومن هنا قد يقبل عون جدا بمقايضتها بالمالية, وقد يقبل جدا بمقايضة الاتصالات بالداخلية, وقد يقبل بمقايضتها بالدفاع, الا ان لكل من هذه الوزارات اسبابها المانعة, فالمالية خط احمر بالنسبة الى الرئيس المكلف وفريقه, وبالتالي لن يفرط بها الحريري, والداخلية والدفاع وزارتان من حصة رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي لا يبدو انه في وارد التخلي عنهما, علما انه سعى للاستحصال على الاتصالات ولم يوفق.
يتبيّن من ذلك, ان الاتصالات الموجودة في يد عون, لا يوجد ما يعادلها جاهزا للمقايضة بها, فما يعادلها موجود انما هو ممسوك وغير مفرّط به من قبل الآخرين, فكيف إذاً سيفرّط عون بها او بغيرها. وبالتالي وأمام واقع كهذا فإن اهون الشرور بالنسبة الى الرئيس المكلف هو ابقاء الاتصالات من حصة عون, وأما بالنسبة الى الوزارات الموعود بها, فليس كل ما يقوله المرء.. نصدقه!
ليس خافيا في هذا المجال, ان الحريري كما هو حريص على إطلاق عجلة حكومته والتربع عليها رئيسا قولا وفعلا للحكومة, هو حريص أيضا على مراعاة حلفائه المسيحيين تحديدا وحساباتهم وحصصهم, على اعتبار انهم يشكلون الظهير الخلفي له والذراع الايمن الذين يعينونه عند الحاجة, في الزمن الحكومي المقبل.
يشبه سياسي بارز, حراك التأليف بالصراع التمهيدي للصراع الأكبر, فالحريري يحاول ان يستفيد من لحظة التجاذب الحالية والتي قد تستمر الى اجل غير مسمى, لتحقيق نصر سياسي كبير يمكنه من إدخال المعارضة الى حكومته مصابة بقدر من الضعف, وتسمح له بالدخول بقدر من الرأس المرفوع.
فالرئيس المكلف, والكلام للسياسي البارز, يعتبر في قرارة نفسه ان هناك حقيبتين مركزيتين هما الطاقة والاتصالات, وستشكلان برنامج الحريري للنجاح في المرحلة المقبلة, ولإثبات قدرته على خصخصة هذين القطاعين من خلال إعادة الاتكاء على باريس 3 ومدرسة والده بالمقاربة الاقتصادية, وليقول أنا لست زعيما كيديا, بل انا زعيم اصلاحي وهذا هو مشروعي.
وفي المقابل تسعى المعارضة الى تحقيق مكاسب اضافية ونوعية تجعلها جاهزة للصراع المقبل. ولا سيما على ارض الخصخصة اذا ما تمت مقاربة هذا الموضوع من قبل الرئيس المكلف خارج اطار المفاهيم الوطنية والاجتماعية والاقتصادية العامة.