لبــنـــان يواجـــه ثــلاثــة خيـــارات للخـــروج مــن الأزمـــة – اميل خوري – النهار

توقفت أوساط سياسية عند قول الوزير السابق وئام وهاب انه اذ لم يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية في غضون عشرة ايام "فان البلاد تصبح امام ازمة سياسية مفتوحة"، علما ان هذه الاوساط ما كانت لتتوقف عند هذا الكلام لو لم يثبت الوزير السابق انه يملك "كلمة السر" السورية. فهو اول من قال ان لا حكومة وحدة وطنية قبل تشرين وذلك منذ اليوم الاول لتكليف النائب سعد الحريري فيما كان الرئيس نبيه بري يتوقع تشكيلها خلال ايام.

لذلك ينبغي اخذ ما يقوله وئام وهاب على محمل الجد والتحسب له. فاذا كانت سوريا صادقة وجدية حيال تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري، فان العراقيل التي تواجه تشكيلها تزول بسرعة، اما اذا كانت تقول شيئا وتفعل شيئا آخر وهي بارعة في ذلك، فان حكومة وحدة وطنية اذا تم التوصل الى تشكيلها وبرئاسة الحريري تبقى معرضة للمتاعب. فرغم انه كان مطلوبا من الحريري زيارة دمشق بعد التكليف وليس بعد التأليف ولم يوافق، تجاوزت سوريا ذلك كي تحافظ على مكاسب الانفتاح العربي والدولي عليها وهو الاهم في الوقت الحاضر، ولانها تبقى تاليا ممسكة بخيوط الازمة وقادرة على تعريض حكومة الحريري للاستقالة ساعة تشاء، وساعة ترى ان اداءها غير مقبول وان قرارات قد تتخذها ليست في مصلحة سوريا ومصلحة علاقاتها بلبنان، اذ انها تستطيع في هذه الحالة ان توعز للثلث المعطل بمنع اتخاذ هذه القرارات واذا لم يكن هذا الثلث متوافرا، لسبب من الاسباب، تستطيع سوريا ان توعز الى عدد من الوزراء بالاستقالة فتفقد الحكومة عندئذ مسوغ استمرارها لانها تصبح غير ميثاقية وغير شرعية فتضطر الى الاستقالة برمتها.




لذلك تحاول سوريا تأمين اكبر حصة لحلفائها في قوى 8 آذار في حكومة الوحدة الوطنية سواء بالنسبة الى عدد الوزراء أو بالنسبة الى نوعية الحقائب. فاذا نجحت في الحصول عليها تصبح قادرة على التحكم في القرارات داخل مجلس الوزراء، وتجعل الاكثرية الوزارية لقوى 14 آذار فاقدة الفاعلية والتأثير، واذا لم تنجح في ذلك فانها تأكيدا لرغبتها امام الرأي العام العربي والدولي تستمر في تسهيل تشكيل الحكومة والمساعدة على ازالة العراقيل من طريق تشكيلها، لانها تبقى ضامنة استقالة العدد الكافي من الوزراء الذين يجعلون الحكومة باستقالتهم غير شرعية وغير ميثاقية فتواجه عندئذ ما واجهته حكومة الرئيس السنيورة عندما استقال منها الوزراء الشيعة واقفلت في وجهها ابواب مجلس النواب ورفض قلم المجلس تسلم اي مشروع يصدر عنها مما جعل اكثر من 75 مشروعا في وضع استثنائي يجري البحث الآن عن حل قانوني لها.

اما اذا لم يتم التوصل الى تشكيل حكومة وحدة وطنية لتعذر ازالة ما تبقى من عراقيل في طريقها، فان قوى 8 آذار والمتحالفين معها تعلن استعدادها لتشكيل حكومة بدعم من سوريا، وتكون حكومة ممثلة لكل المذاهب والمناطق وتواجه البلاد ثلاثة خيارات للخروج من الازمة السياسية المفتوحة التي حذر منها الوزير السابق وئام وهاب وهي الآتية:
الخيار الاول: تشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي او محمد الصفدي، وتكون حكومة وحدة وطنية للاقلية فيها الحصة التي يكون الرئيس المكلف سعد الحريري رفضها، ويعتمد احد المرشحين لتشكيلها ولتأمين الاكثرية النيابية على نواب كتلة جنبلاط وعلى عدد من النواب المستقلين ضمن الاكثرية فتصبح الاكثرية الجديدة خليطا من الاقلية والاكثرية الحالية الممثلة لكل المذاهب والمناطق، ولا خوف كما في الاكثرية الحالية من رفض مشاركة التحالف الشيعي فيها اذا لم يحصل هذا التحالف مع حلفائه على ما يريد.

الخيار الثاني: تشكيل حكومة من خارج مجلس النواب برئاسة الرئيس سليم الحص او رئيس غرفة التجارة والصناعة عدنان القصار او اي شخصية سنية مستقلة مقبولة من كل الاطراف، يصير اتفاق على تحديد مهمتها مثل الاشراف على الانتخابات البلدية والاختيارية المقبلة ووضع قانون جديد للانتخابات النيابية يعتمد نظام النسبية، ووضع مشروع اللامركزية الادارية الواسعة لتطبيقه في اقرب وقت وتشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية وفق ما نص عليه اتفاق الطائف، واقرار المشاريع التي من شأنها ان تنهض اقتصاديا وماليا وانمائيا بالبلاد وتجذب الرساميل لخلق فرص عمل جديدة، والتوصل الى ما يؤدي لاطفاء الدين العام. وقد يكون هذا الخيار الاقرب الى الاخذ به اذا ظل تشكيل حكومة وحدة وطنية متعثرا بسبب الخلاف بين الاكثرية والاقلية على الحصص والحقائب.

الخيار الثالث وهو الاخطر، ان تؤدي الازمة السياسية المفتوحة الى نهاية الجمهورية الثانية ووضع اسس لقيام الجمهورية الثالثة التي نادى بها العماد ميشال عون وجعلها شعارا له في انتخابات 7 حزيران الماضي.
وقيام هذه الجمهورية يتطلب وضع دستور جديد لها ونظام سياسي جديد واعادة توزيع للصلاحيات بين السلطات وتحديدا بين رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس ورئاسة الحكومة. ولا شك ان التوصل الى اتفاق على كل ذلك دونه عقبات لا بل جروح قد تفتح ودماء قد تهدر، وهو ما حذر منه الرئيس حسين الحسيني وهو "ابو الطائف" بقوله في حديث له: "لست من عباد الطائف ولكن الجرح اللبناني فتح عام 1958 واقفل على زغل، ثم تكونت ارادة لبنانية وعربية ودولية لاقفال الجرح على اصلاحات سياسية معينة في اتفاق الطائف الذي لم يأخذ من طائفة واعطى لاخرى بل اعطى لبنان". واضاف: "سهل التفكير بتعديل الطائف، ولكن من من المتحدثين عن ذلك سأل إذا فتحنا الجرح فأي ارادة ستعيد اقفاله، وعن اي تعديل يتحدثون وكل منهم يطلب تعديل ما يناسبه". وتمنى على من عارض الطائف لو انه طرح ولو جملة واحدة مفيدة بديلا منه، وختم: "لست قلقا على الطائف الذي هو مشروع دخول الى الدولة المدنية اذ لا بد ان يأتي يوم يطبق فيه وتقوم الدولة المدنية ومؤسساتها".
فهل نحن فعلا امام ازمة سياسية مفتوحة على هذه الاحتمالات وغيرها اذا لم يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الحريري؟!