الأزمة الحكومية تبرز المخاوف على النموذج والنظام – اميل خوري – النهار

يخطئ من يعتقد بأن رئيس الجمهورية، ولو كان يتمتع بصلاحيات واسعة، في امكانه اخراج البلاد من الازمات من دون ان يكون في حاجة الى اللجوء الى اي خارج لانه عندما كان الرئيس يتمتع بهذه الصلاحيات كان يتهم بانه "ملك على جمهورية" وان رئيس الحكومة هو "باشكاتب"، وعندما كان يستخدم هذه الصلاحيات لاخراج البلاد من ازمة تواجهها، كان يتهم بالتفرد والاستئثار في اتخاذ القرارات وعدم مراعاة القوى السياسية المعنية او الطائفة المعنية فيصبح استخدامها، خصوصا في غير ظرفها الملائم، مشكلة لا حلا. وعندما قلّص دستور الطائف صلاحيات رئيس الجمهورية بحجة ان يكون حكما لا حاكما، اتهم بالانحياز الى هذا الطرف او ذاك عندما كان يحكم في الخلافات كما حصل عند طرح موضوع التعيينات في وظائف الفئة الاولى وعندما ابدى رأيه في نتائج الانتخابات وفي توزير الراسبين فيها، وفي تعديل الدستور وفي دوره في تشكيل الحكومة، مما يدل على ان المشكلة ليست مشكلة صلاحيات بل مشكلة ممارسات ومسؤوليات تجعل رئيس الجمهورية حاكما حينا وحكما حينا آخر بحسب الظروف السياسية والامنية.

ويتساءل اصحاب هذا الرأي هل في استطاعة الرئيس سليمان استخدام الصلاحيات الواسعة لو انه كان يتمتع بها فعلا خصوصا في الظروف الراهنة، فيأتي بورقة وقلم كما فعل الرئيس الياس سركيس عندما تعذر عليه تشكيل حكومة وفاق وطني، وشكل حكومة من غير السياسيين برئاسة الدكتور سليم الحص، في حين ان الرئيس سليمان امتنع عن اصدار مرسوم بالحكومة التي اقترحها الرئيس المكلف سعد الحريري رغم انها تعطي الاقلية اكثر مما تعطي الغالبية النيابية، لا لشيء سوى ان الاقلية نفسها لم تعجبها التشكيلة المقترحة لاسباب مجهولة عند الناس ومعلومة لديها؟ أولم تكن الاقلية المعارضة تستطيع سحب وزرائها وادخال البلاد في ازمة سياسية مفتوحة ولم تحترم ارادة رئيس الجمهورية فيما لو اصدر مرسوما بالحكومة؟ هل كان في إمكان رئيس الجمهورية بموجب الصلاحيات الواسعة ان يؤلف حكومة من الاكثرية وبالاتفاق مع الرئيس المكلف بعدما تعذر تأليف حكومة وحدة وطنية من دون ان يصطدم بمعارضة الاقلية ورفضها وهي اقلية بات يغلب عليها الطابع المذهبي والطائفي عندما يمتنع ليس حزبا بل مذهب من المذاهب عن المشاركة في الحكومة فتفقد عندئذ صفة كونها ميثاقية وشرعية، واخطر ما في الاكثرية أو الاقلية المذهبية انها تبقى كذلك الا اذا غير بعض من فيها سياستهم وهذا مستحيل؟




لذلك، فان الاحباط الذي قيل ان المسيحيين اصيبوا به بعد اتفاق الطائف لم يكن بسبب تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية فحسب بل بسبب خوفهم على لبنان وصيغته وهويته ونظامه وان يعود المسلمون او فئة منهم يتطلعون الى الخارج كما من قبل الى الوحدات العربية والاسلامية، وان يعود الخلاف على اي لبنان نريد رغم ما جاء في اتفاق الطائف من "ان لبنان وطن نهائي وذو هوية عربية وهو جمهورية برلمانية ديموقراطية"، خصوصا مع وجود تفكك داخلي يحتاج الى معالجة والى اعادة تركيب الوطن سياسيا وتجميع الدولة للانتقال بها من حالة الركود الى حالة نهوض واستنهاض، والخوف على لبنان ايضا من ان يتحول النموذج فيه، نموذج العيش المشترك، بين كل العائلات الروحية الى بلد آخر يفقد نكهته وخصوصيته، فلا تعود حاجة اليه عندما يصبح كغيره وان يسقط وجوده اذا سقط دور المسيحيين فيه ولا يظل محافظا على هويته وديموقراطيته في محيط لاديموقراطي، وقد بدأ فعلا يشهد هبوطا في الاداء الديموقراطي وهبوطا في وطنية الاحزاب ودورها، وهبوطا في مستوى الثقافة الديموقراطية والشعور الوطني بحيث بات يخشى ان يتحول لبنان نظاما للطاعة يسود العالم العربي، او شركة توزع الحصص المذهبية على اعضائها، ولولا الفرد اللبناني لتفكك المجتمع كما تفككت الدولة، وبفضل هذا الفرد امكن الفصل بين الاقتصاد والسياسة مع ان الاقتصاد مرتبط بالسياسة والسياسة مرتبطة بالاقتصاد.

قال المطران بشارة الراعي في حديث له عام 1994: "انا لست من هؤلاء الذين يرون ان الصلاحيات الدستورية التي قلصت صلاحيات رئيس الجمهورية مصدر الخوف المسيحي والدليل ان هذه الصلاحيات لم تحم المسيحيين ولم تصنهم قبل الحرب ولا بعدها، ولم تقدم شيئا للبنان. مشكلتنا هي في حياتنا البرلمانية والديموقراطية والتعايشية. بعضهم يرد الخوف الى اسباب داخلية، خوف المسلم من المسيحي، وخوف هذا الرئيس من ذاك الرئيس، وهو خوف مبالغ فيه. انا المسيحي لا اخاف من المسلم اللبناني، اخاف من الايدي الغريبة العربية والغربية، الدولية والاقليمية التي تتلاعب بالمسيحي كما تتلاعب بالمسلم لخلق هذا الخوف. هذا ما حصل عندما بدأت الحرب. جاء من الخارج من يقول للمسيحي إن المسلم يتربص بك تسلح، وهكذا قالوا للمسلم. كانت هناك خلافات اكيد، لكن حلها لا يتطلب هذا الثمن الباهظ الذي دفعه اللبنانيون. هنا مكمن الخوف الغريب الذي لا يدعك تعيش بسلام، ولا تستطيع ان تنكر مسؤولية اللبنانيين عما جرى لانهم جعلوا من انفسهم ادوات في سبيل مصالحهم الفردية التي آثروها على مصلحة الوطن، وجعلوا انفسهم ادوات لغيرهم ونفذوا بايديهم ما خطط لهم الغريب". ويختم بالقول: "إن الميليشيات التي خرجت من الحرب وسلمت بعضا من اسلحتها، لا يزال البعض الآخر في حوزتها، و"حزب الله" يحتفظ بكل سلاحه، وهو وضع يجعل اللبناني مسلما كان أم مسيحيا في خوف وخوف غير مزعوم، لكن ارادة اللبنانيين في البقاء وبناء الوطن هي ارادة متجلية لدى الجميع وللبنانيين تاريخ طويل وجذور عميقة لا تستأصل بسهولة

وللرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2003 حوار تلفزيوني قال فيه: "لا اعتقد ان هناك مخاطر تواجه المسيحيين ولا تواجه المسلمين، عندنا مشاكل مسيحية ومشاكل اسلامية، وان لا مشكلة بين المسلمين والمسيحيين بل هناك مشكلات تواجههم معا كلبنانيين. فلبنان لا يمكن ان يقوم الا بمسلميه ومسيحييه وهم متساوون امام الدستور ولا يجوز ان يحاول احد ان يطغى على الآخر. فتطبيق الدستور بشكل جدي واعطاء كل ذي حق حقه هو الذي يوصلنا الى نتيجة. لقد اصبح مجلس الوزراء السلطة الاجرائية، فعندما يحضر رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الى مجلس الوزراء، ويكونا مختلفين، فان كل شيء يصبح عليه مشكلة، وعندما يكونان متفاهمين تسير الامور بيسر وسهولة. لقد اعطى الدستور رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة صلاحيات تحقيقا للمشاركة وليس للمساكنة التي لم تنجح في فرنسا وهي اعرق دولة ديموقراطية. فلبنان يواجه تحديات كبيرة في المنطقة والخلاف على اي امر ينعكس على البلد وعلى اللبنانيين. لذلك اقول ان هناك امرين ثابتين لدي: اتفاقي مع رئيس الجمهورية والعلاقة مع سوريا".

وختم بالقول: "اني اوجه كلامي الى جميع اللبنانيين مسلمين ومسيحيين. اننا في حاجة الى مزيد من الايمان بالله سبحانه وتعالى والى مزيد من الثقة بلبنان ومستقبله. فهذا البلد بلدنا ليس لنا غيره ولن يكون لنا غيره، ويجب ان نتعاون جميعا لجعل بلدنا الافضل وهو الافضل. فالشعب اللبناني عانى الكثير واستطاع بايمانه بالله وبثقته بنفسه واقتناعه ببلده ان يتجاوز الكثير من الصعوبات والتحديات".