دمشق تتابع.. تنصح.. وتريد علاقة تأسيسية مع الحريري – نبيل هيثم – السفير

ما يزال لبنان تحت تأثير المناخ الايجابي منذ القمة السورية السعودية قبل عشرة أيام، وخاضعا منذ مطلع الأسبوع الماضي لحراك سياسي للرئيس المكلف سعد الحريري، ويتخلله بين الحين والآخر ارتفاع ملحوظ في درجات حرارة الود والعواطف، ومصحوب في الكثير من الاحيان بتظهير ايجابيات متفرقة.. وتكبيرها في أكثر من مكان.
يـُفترض مع جو كهذا ان تنقشع الصورة سريعا وأن تُظهر الايجابيات المروّجة ارضيا وفضائيا، علامة ولو خجولة، من علامات الظهور الحكومي، او تشكل، بالحد الادنى، أول غيث حكومة سعد الحريري.
لكن الامر خلاف ذلك تماما، ذلك ان تلك الايجابيات لم تقترن بعد بما ينقلها من السياق الاعلامي اللفظي الى سياق الخطوات العملية، او ما ينقلها من مدار المراوحة المسيطرة منذ التكليف الاول قبل اكثر من مئة يوم. ما يعني انها اقرب ما تكون الى شيكات بلا رصيد حقيقي غير قابلة للصرف في «بنك التأليف الحكومي».

وبرغم ذلك، ما تزال أنابيب الايجابية مستمرة بالضخ المتواصل لكلام مكرر وإيجابيات بلا نتيجة. وتكفي نظرة الى الاتصالات الجارية وغير المنتجة حتى الآن، لابراز فرضية انها محكومة بإيجابيات في الشكل، ولا ايجابيات في المضمون، ومن ثم طرح السؤال التالي: لماذا لا تسقط ايجابيات الشكل على المضمون، وما هي العوائق التي تتحكم بهذا المضمون، وبالتالي ما هي الموانع التي تعيق التأليف؟




الأبواب مقفلة بالكامل، كما يقول مرجع سياسي، فهو كما غيره يتابع حراك التأليف لعل جديدا جديًّا يطرأ، ويسمع كلاما جميلاً فقط لكن ذلك لم يحمله على المشاركة في ما قد يكون «حفلة زجل» مضبوطة على دف الايجابيات.

وتبقى قمة عبد الله الأسد هي الأساس، فهي كما قيل عنها، حددت المسار والإطار وأطلقت مرحلة لبنانية جديدة، تـُقرأ بوضوح من عنوانها أي المناخ الايجابي الذي أوجده وهج انعقادها، ومن الحراك المتــصل به من قــبل الرئيس المكلف… الذي يقترب المرجع السياسي من الاعتقاد من ان حراكه ينطوي على جدية حقيقية للتأليف اكثر من أي وقت مضى.
إلا أن المثير في كلام المرجع السياسي انه يدرج حراك التأليف في سياق «فترة سماح» منحتها قمة عبد الله الأسد للبنانيين، ولم تعد طويلة وأقصاها نهاية الاسبوع الجاري. وأما المثير اكثر فهو ذهابه الى نزع البعد الخارجي عن تأخر التأليف حتى الآن، على اساس ان العقدة الحالية الماثلة في طريق التأليف هي لأول مرة عقدة داخلية جملة وتفصيلا. وليست كما كانت قبل قمة دمشق خارجية مطعمة بالداخل. وعلى ما يقول المرجع فإن العقدة كامنة في تفاصيل توزيع الحقائب ومصير وزارة الاتصالات السوبر خلافية ومن سيتولاها، وأيضا مصير وزارة الطاقة السوبر مالية لاحقا.

يُنقل في هذا السياق عن قطب سياسي أنه يأخذ في الاعتبار الحركة الأميركية الاخيرة التي وصفت بالتعطيلية سواء من السفيرة في بيروت ميشيل سيسون او من جيفري فيلتمان، لكنه لا يريد ان يذهب بعيدا في التحليل، بل انه يفضـّل ان يقترح البحث عن الاجابة الدقيقة على السؤال التالي: هل ان الاميركيين اعطوا الضوء الاخضر بعد القمة.. وهل توسطوا السوريين في الآونة الأخيرة لمد يد المــساعدة في تشكيل الحكومة اللبنانية. وقبل ذلك، هل قيل كلام من هذا القبيل في اللقاء بين فيلتمان ونائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد؟

يتقاطع هذا الكلام مع تأكيد سوري لمسه زوار دمشق مؤخرا، حيث يعكس هؤلاء اطمئنانا سوريا لافتا للانتباه حيال القمة «التي تقف على ارضية صلبة صعب جدا اختراقها او تجاوزها» على ما يقول مسؤول سوري. الذي يؤكد ان القمة هي مسار الحل في لبنان وكل المنطقة…
والأهم في ما لاحظه زوار دمشق أنها لا تعطي اهتماما ولا تبدي قلقا حيال كل ما يقال عن محاولات تعطيلية اميركية او غير اميركية لنتائج قمة دمشق سواء ما يتصل بلبنان او غير لبنان..». انظروا الى الاميركيين اين هو اهتمامهم الاول اليوم، لبنان مساحة صغيرة استخدموها للابتزاز، مشكلتهم العراق، ومشكلتهم الكبرى افغانستان هم عالقون هناك ولا يعرفون كيف يخرجون منها. حتى ان بعض النظام العربي قد يكون منزعجا، الا ان هؤلاء سيقتنعون في النهاية وسيلتحقون بركب القمة، والأيام ستثبت ذلك.

ويعكس الزوار ارتياحا سوريا للمناخ الهادئ والايجابي السائد في لبنان، وهو نتاج طبيعي للقمة. الا ان هذه الايجابية يجب ان تقترن بأفعال تضع لبنان في موقع المعني الاول بالاستفادة من القمة السورية السعودية، والاتكاء اليها في تسريع ولادة حكومة الوحدة الوطنية، ولا سيما ان القمة براعييها الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الاسد، قد وفرت للبنان فرصة اغلاق باب ازمته الراهنة.
ويؤكدون في دمشق على ما ينقل الزوار أن سوريا تعتبر ان الحكومة اللبنانية ستتشكل في نهاية المطاف، ومن وحي الاجواء التي وفرتها قمة دمشق. ومن هنا فإن الايجابية الراهنة في لبنان هي امر مريح ومسهل، الا انها لا تكتمل الا اذا توفر الحضن اللبناني الدافئ لتلقي النتائج اللبنانية الصادرة عن القمة.

وأما الإشارة اللافتة للانتباه فتبرز في التأكيد على أن دمشق تنظر الى رئاسة سعد الحريري للحكومة في لبنان على أنها فرصة مهمة لعلاقة يمكن ان يتأسس عليها للمستقبل، ومن هنا فإن الحريري هو المعني الاول في التقاط «فرصته» ليس لبناء أسس حكومة انقاذية للبنان فحسب بل الانطلاق بها في الاتجاه الذي يخدم العلاقة بين سوريا ولبنان ويفتح الآفاق واسعة بين البلدين.

يقع على مسمع زوار دمشق ما يشبه «الرسالة» إلى من يعنيه الامر، مفادها بأن ثمة منزعجين قد يكونون في لبنان أو خارج لبنان، ولكن قدرة هؤلاء محصورة فقط بالتشويش ورفع الصوت فقط، وليس أكثر من ذلك. هناك مراهنون دلت التجربة على انهم لا يتقنون سوى لغة المراهنة، ولا يتقنون بالتالي سوى تلقي خسارة الرهانات.

مرتاحون في دمشق لما آل اليه موقع سوريا عربيا، وإقليميا، ودوليا. فيما الآخرون ينكمشون. والاهم هو الالتفات الى المسار السوري التركي حيث يقول مسؤول سوري: يجب ان تؤخذ العبرة من هذا المسار، فما حصل بين تركيا وسوريا على صعيد فتح الحدود بين البلدين، ليس حدوده سوريا وتركيا فقط، بل حدوده ايضا لبنان، وكل بلد عربي.