ينتظر السوريون خلال وقت قريب وصول ملك السعودية عبد الله إلى دمشق. الحفاوة المقرّرة ستشمل كل شيء. سيجد ملك آل سعود بلاد أميّة تستقبله بترحاب إضافي. سينتبه هو والمرافقون إلى أن هناك ما هو جديد. الحرارة والحضور الشعبي، والجولات والمباحثات، والاستعداد لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، والأمور ستظلّ في إطار خاص، يعمل السوريون على عدم تسلّل الخبثاء إلى حفلهم. يريدون أن تصمت الأحداث من حولهم، يأملون كما السعودية نفسها أن تجد حكومة سعد الحريري طريقها إلى الإعلان في أسرع وقت. وفي دمشق لا يخفون رغبتهم في أن يحلّ الحريري ضيفاً عليهم مع الملك أو بدونه. لكنهم يشعرون بأن عبد الله يكفي في هذه اللحظة لإعادة تنظيم أكثر العلاقات تعقيداً منذ الحرب الإيرانية ـــــ العراقية. وهم يعرفون أن أي تفاهم بينهم وبين الرياض سيكون أثره الكبير على الملفات الساخنة في كل مكان: مشاكل لبنان بين المعارضة والموالاة، مشاكل فلسطين بين المقاومة وسلطة محمود عباس، مشاكل العراق بين السلطة السياسية والقوى الغائبة بفعل الاحتلال أو الإقصاء، ومشكلة الحوار مع إيران، الذي تقدر سوريا على أداء دور كبير فيه، وهي تأمل ذلك بالتعاون مع تركيا لإطلاق دورة حوار عربي ـــــ إيراني في مواجهة مشروع الولايات المتحدة لإقامة حلف بين عرب الاعتدال وضمنهم السعودية وبين إسرائيل بمواجهة عدوّ واحد اسمه إيران.
الأمر بالنسبة إلى السوريين يتجاوز المسألة اللبنانية، لا لرغبة في عزل ملف لبنان، أو سعي لإعادة احتكاره كما يعتقد البعض، بل لكون ما تطوّر من أحداث خلال الفترة الماضية جعل سوريا والسعودية تقفان على حافة الهاوية إزاء ما يحصل في المنطقة إثر زلزال احتلال الولايات المتحدة للعراق. ويتصرف السوريون براحة إزاء الأمر، وينقل عن مسؤول سوري قوله:
ـــــ نحن لم نتورّط خلال الحقبة الماضية في أي تآمر على السعودية، ولم نسعَ إلى إضعاف نفوذها في أي مكان، وتركنا لها إدارة ما تعتقد أنه مناسب من ملفّات، بما في ذلك ملف العلاقات العربية ـــــ العربية. ونحن لم نطلب منها فكّ تحالف مع هذا أو ذاك من الأطراف الإقليميين أو الدوليين
.
ـــــ نحن حافظنا على ما نراه ثوابت في سياستنا العامة. قاومنا محاولة إسقاط النظام في بلدنا، وتحويل سوريا إلى عراق آخر. وخرجنا من لبنان بطريقة لا تناسبنا ولا تناسب لبنان نفسه، لكننا فعلنا ذلك تفادياً لفتنة كان يُهيَّأ لها بيننا وبين لبنان، ونحن أكدنا بكل الوسائل أنه لا علاقة لنا بمقتل رفيق الحريري، وهم يريدون المحكمة، فلينتظروا ما تقوم به، لكننا لن نقبل ما عجز العالم عن فرضه علينا خلال الحقبة الماضية.
ـــــ نحن لم نغيّر موقفنا من القضية الفلسطينية، ولا من حق المقاومة في لبنان أو حق العراقيين في مقاومة الاحتلال الأجنبي، وها هم الأميركيون يعودون إلينا لأنهم أدركوا، كما أوروبا، أن منطق العزل لا يفيدهم أبداً ولا يؤثر في استقرارنا. ونحن نفخر بأننا كنا إلى جانب مقاومة لبنان في وجه الحرب المجنونة في عام 2006، ونعتقد أن استضافة واحتضان قوى المقاومة الفلسطينية وقادتهم هو أقل الواجب إزاء القضية الفلسطينية، ولم نقبل عقد صفقة مع إسرائيل تكون على حساب الحق العربي عموماً والحقّ الفلسطيني خصوصاً ولن نفعل.
ـــــ نحن لم نعادِ أحداً في لبنان، بل خرج فريق كان حاضراً عندنا ليل نهار، وذهب إلى موقع آخر، ونحن نتصرف من موقع المسؤول إزاء لبنان ولدينا الاستعداد، وأبوابنا مفتوحة لمعالجة أي مشكلة ولمحاورة كل من لا يريد الشرّ لنا أو للبنان. وبرغم كل الإساءات التي حصلت، فنحن نعرف أن مصيرنا مع لبنان هو واحد، ومستعدون للقيام بكل شيء لحفظ هذه العلاقة وتطويرها،
ونحن من ارتاح بعد خروج جيشنا من لبنان، وليس لدينا المصلحة ولا الرغبة في العودة إلى لبنان، ولا يعني ذلك أن نتجاهل ما يحصل أو نغفل عمّا يحصل، إلا إذا كان البعض يعتقد أنه مسموح للولايات المتحدة التدخل، وممنوع علينا السؤال عمّا يحصل.
وبحسب ما يُنقَل عن هذا المسؤول، فإن المصارحة القائمة بين قيادتي السعودية وسوريا تشمل كل شيء، لكن سوريا ليست في وارد تحميل السعودية مسؤولية ما تعرضت له سوريا خلال السنوات الماضية، وهي تهتم بأن يكون لكل تحسن في العلاقات العربية ـــــ العربية الانعكاس الإيجابي في وجه مشروع الفتنة السياسية والطائفية والمذهبية الذي انطلق في العراق ويريد البعض في المنطقة والعالم تعميمه على كل دول المنطقة. لذلك، تنتظر سوريا من الجانب السعودي ملاقاتها في منتصف الطريق، ومغادرة المنطقة التي تجعل من العرب ينصبون لبعضهم الكمائن تلبية لمطالب غربية تصبّ نهائياً في مصلحة إسرائيل. ولذلك ترحّب سوريا بأي جهد سعودي لإعادة تنظيم العلاقات بينها وبين مصر، والعمل معاً لمعالجة أمور معقدة مثل ملفات لبنان وفلسطين والعراق. وفي سوريا اعتقاد قوي، بأنه إذا نجح الطرفان في إعادة بناء جسور الثقة والتواصل، فسيكون هناك إمكان لخلق مناخ مختلف في المنطقة، لكن في سوريا من علّمته الحياة الأشياء الكثيرة، وأهمها، أن الأماني لا تتحقق فقط من خلال الإعراب عنها، وأن الجهد الأكبر ينصبّ على منع المتضررين من إعادة تفجير الأمور من جديد. وهو أمر ترى دمشق أنه مسؤولية مشتركة بينها وبين الرياض التي لم تقل كلمتها بعد.