مزارعون رهنوا حقولهم ومسنون فقدوا مدخراتهم.. والبعض لا يزال يدافع عنه ويتهم إسرائيل وأميركا
استرخى المستثمر ضخم الجثة الذي يرتدي قميصا بولو في مقعده البلاستيكي في متجره للسلع وتنهد في حسرة غير قادر على تفسير كيفية ضياع مدخرات زوجته وتلاشيها في لمح البصر، وقال: «إنها كارثة، إنها تسونامي مالي في لبنان، فبعض الفلاحين رهنوا حقولهم وأحضروا النقود، فيما باع آخرون أرضهم التي ورثوها عن آبائهم قدم المدرسون كل مدخراتهم وفقد كبار السن كل ما يملكونه».
وقالت السلطات القضائية بشأن قضية المخطط الهرمي ذي المليار دولار التي شغلت لبنان بأسرها، إن المال قد اختفى. وكان العقل المدبر لهذه الخطة رجل أعمال يدعى صلاح عز الدين الذي أدين بالاحتيال والذي أطلقت عليه الصحف المحلية لقب «بيرني مادوف اللبناني». ويقول المصرفيون إنها أكبر عملية احتيال حدثت في البلاد.
لكن كم الأموال التي ضاعت لم تثر الانتباه هنا في لبنان بقدر صلات عز الدين الوثيقة بحزب الله. ويقول العديد من المستثمرين ـ الذين يعيش السواد الأعظم منهم في بيروت والقرى الجنوبية مثله ـ إن صلاته بالحزب كانت السبب وراء اختيارهم المجازفة بمدخراتهم مع الرجل الذي كان يقدم أرباحا تعادل 40 إلى 50% لكنه لم يقدم أي تقارير مراجعة لأعماله.
وقد تسببت الأزمة في حرج بالغ للحزب الذي يفتخر بنزاهته وتقواه. وأظهرت صورة الانعزالية عن الدولة التي يعيشها العديد من الشيعة اللبنانيين، بالرغم من نهوضهم من فقر مدقع منذ عقود قليلة، كما أسهمت شكوكهم الدائمة بالمؤسسات اللبنانية تحول حزب الله إلى دولة داخل الدولة، كما أنها جعلتهم أيضا الأكثر استهدافا في خطط عز الدين. وقال المستثمر اللبناني، الذي وضع أمواله هو الآخر لدى عز الدين، وتحدث شريطة عدم ذكر اسمه: «حصلنا على ضمانات بأننا أقوى من أي بنك». وعندما سألناه عما إذا كان يخشى من الانتقام من حزب الله امتنع عن الإجابة.
وقد أنكر الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله في كلمته الأسبوع الماضي أي علاقة لحزبه بعز الدين، غير أنه بعد أيام قلائل ظهر في شريط فيديو خلال إفطار رمضاني مع أنصار حزب الله واعترف فيه بمسؤولية الحزب، وقال إنه سينشئ «شبكة عمل أزمة» لتقييم خسارة كل مستثمر. جدير بالذكر أن الكثير من مسؤولي حزب الله فقدوا أموالا مع عز الدين وواحد على الأقل من قيادات الحزب قدم شكوى ضد عز الدين.
وكانت هناك مناشدات لحزب الله بتعويض المستثمرين، لكن موقف الحزب المعلن حتى الآن أنه لن يقوم بذلك، ولعل من السهولة بمكان معرفة السبب وراء ذلك. فالخسارة في صفوف الشيعة الجنوبيين وحدهم تقدر بمئات الملايين، هذا فيما لا يزال حزب الله يناضل من أجل إعادة بناء المنازل التي دمرتها إسرائيل خلال حرب عام 2006 والتي دامت على مدار شهر كامل.
لا يزال عز الدين، الذي يبلغ من العمر 49 عاما، شخصية غامضة، فقد عرف بامتلاكه دار نشر «الهادي» المتخصصة في التراث الديني والتي تقع في قلب ضاحية بيروت الجنوبية الشيعية. وفي عام 2007 أسس شركة «مستثمر»، وهي مؤسسة مالية تقع في بيروت كانت تعمل على إدارة الأموال، واشتهر بكونه رجلا متدينا وخيّرا موهوبا بإمكانية اكتساب صداقات الآخرين.
ويشير مسؤول قضائي وثيق الصلة بالقضية طلب الحديث شريطة عدم ذكر اسمه، لأنه لا يحمل تفويضا بالحديث علنا عن القضية، إلى أنه لم يتضح بعد ماذا حدث للأموال، حيث استثمر عز الدين الحسيني، الذي يقبع الآن في السجن في انتظار المحاكمة، في الحديد والبضائع الأخرى في أفريقيا والشرق الأوسط بحسب العديد من الأفراد الذين يعرفونه.
وقال المستثمر الذي دأب على جمع الإسهامات الصغيرة من عشرات أو ربما مئات من القرويين ـ ما بين 100.000 إلى 500.000 دولار ـ ومن ثم يقدمها إلى مساعدي عز الدين: «كان يتعامل في الذهب والصلب والحديد، وفي كل مرة كنت أعطيهم الأموال كانوا يقدمون لي شيكا مصرفيا بنفس القدر من الأموال». انحنى الرجل وأخرج هاتفه الجوال بصورة تحتوى على صفوف من الأموال فئة المائة دولار. وبينما كان المستثمر يعدد أسماء المشروعات ـ سليكات الزركونيوم والتيتانيوم والنفط الأفريقي ـ انطلق المستثمر في جولة من الضحك الهستيري، وضحك معه اثنان من أصدقائه اللذين فقدا أموالهما أيضا مع عز الدين. زادت الضحكات أكثر وأكثر وساد جو من المرح الصاخب وبدت الدموع في جوانب أعينهم.
وقال المستثمر: «عندما سمعنا للمرة الأولى التقينا في المسجد وظللنا نضحك بصورة هستيرية لمدة 24 ساعة».
ثم انطلق في نوبة أخرى من الضحك الهستيري.
وقال: «أنا أقول لك إنها مجرد أسطورة فقط، لكن بالنسبة لنا إن الأمر صعب جدا، إننا نتوقع حدوث مشكلات عائلية ومشكلات اجتماعية، فالإخوة الذين اقترضوا أموالا من آباء زوجاتهم فقدوها وقد رهنت عقاري أنا أيضا».
وعلى الرغم من أن عدم احتمالية أن تؤثر الخسارة على الاقتصاد اللبناني الأشمل إلا أنها قد تخلق مشكلات للشيعة حيث وقع بعض كبار أصحاب العقارات ورجال الأعمال في الديون لتمويل استثماراتهم. لكن يبقى المدى الكامل لهذه العملية غير واضح بعد، لكن المسؤول القضائي قال إن المبلغ الذي فقد يبدو أنه على الأقل 700 مليون دولار، وربما يرقى إلى مليار دولار.
المثير للدهشة أن بعض المستثمرين لا يزالون يدافعون عن عز الدين، فالولاء العميق لحزب الله الذي ربما يكون قد أسهم في الكارثة بشكل واضح، ربما يكون هو أيضا ما منع العديد من الضحايا من الشكوى.
وفي محروب، تلك القرية الصغيرة التي تبعد أميالا قليلة عن هنا والتي نشأ بها عز الدين، يشتهر عز الدين بأنه رجل تقي ومحبوب، بنى مسجدا جميلا منذ سنوات قليلة. وربما تكون السذاجة المالية التي استغلها عز الدين هي ما ساعده في حجب أي جريمة. وقال مصطفى فنيش سائق تاكسي يبلغ من العمر 54 عاما في قرية محروب إنه استثمر 10.000 دولار مع عز الدين وتلقى 80% نسبة أرباح على أمواله، وعندما سئل عما إذا كان قد استعاد رأس المال بدا متحيرا وقال لا.
وقال فنيش مرددا العبارة التي تدور في أذهان الناس هنا: «لقد حدث كل ذلك لأن الولايات المتحدة وإسرائيل اكتشفوا أن عز الدين له صلات بحزب الله، ومن ثم دمروه».
«نيويورك تايمز»