لا نحن نستغرب، ولا خافيير سولانا يستغرب أن يجد نفسه من أهل البيت في بيروت. فالمحور في جولة المسؤول الأوروبي على عواصم المنطقة هو الأزمة الإقليمية. أما في بيروت، فإن التداخل بين الأزمة الداخلية والأزمة الإقليمية يفرض العمل على تدبير المسرح الداخلي قبل الذهاب الى المسرح الشرق أوسطي. هناك يمارس الرجل باسم الاتحاد الأوروبي دورالتبشير والتحضير. التبشير بخطة يعلنها الرئيس الأميركي باراك أوباما في الخريف لتسوية الصراع العربي – الاسرائيلي. وتحضير الأطراف في المنطقة للأدوار المطلوبة منهم والأدوار التي يطلبونها لأنفسهم. وهنا يضيف التذكير الى التبشير والتحضير في المهمة. التذكير بالحاجة الى الإسراع في تأليف الحكومة من أجل لبنان وشعبه أولاً، والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي ثانياً، والدور في التسوية ثالثاً.
لكن المصاعب كبيرة أمام التسوية، وأولها التصلب الاسرائيلي الذي يكاد ينسف خطة أوباما قبل إعلانها. ومن المفارقات أن يبدو تأليف حكومة عملية بالغة الصعوبة تتجمع في عقدتها خيوط الأزمة الداخلية والأزمات الإقليمية والدولية. كأننا في الواقع أمام (عقدة غورديان) الأسطورية. تلك عقدة يقال إن غورديوس ملك فريجيا أحكم شدها، ولن يحلها الا سيد آسيا المقبل، فجاء الاسكندر الكبير وقطعها بسيفه. وهذه عقدة لا مجال لقطعها بالسيف، ولا سبيل حتى الآن لحلها بالعقل والحكمة.
ذلك أن معادلة الحل محكومة بالجمع بين أرقام محلية وأرقام خارجية. الأرقام المحلية ثابتة لا غنى عن أي واحد منها. وكل زعيم يقول إنه الرقم الصعب الذي لا معادلة من دونه. والأرقام الخارجية متغيرة تبعاً لما يدور في الكواليس من ألعاب محكومة بموازين قوى ومصالح. لا بل ان المصلحة الوطنية العليا التي يفترض أن تكون واضحة ومحسومة ومحل تسليم جماعي بها هي موضع خلاف على تحديدها. فكل طرف محلي يتصور أن مصلحته هي المصلحة الوطنية، سواء ربطها بالموقع الشخصي والدور أو بالمشروع الذي يعمل له. وكل طرف خارجي يربط المصلحة اللبنانية بمصالح بلاده وصراعات الأدوار والنفوذ مع سواه.
أليس ما يطمئن هو نفسه ما يخيف عبر الحاجة الى تكرار التطمينات من أميركا أو سواها الى أنها لن تعقد صفقة على حساب لبنان ولن تبيعه? لماذا نكون معروضين للبيع والشراء? أليس الأغرب أن يكون في لبنان مَن هو مستعد لعقد صفقات شخصية أو قبلية على حساب البلد? وكيف نواجه التحديات الداخلية والخارجية بالتناقض بين سلطة ضعيفة أو مشلولة وبين زعماء أقوياء بطوائفهم والمذاهب والتحالفات الخارجية?
أخطر ما يحدث هو أن يصبح لبنان مجرد جغرافيا، بدل أن نستحقه كوطن ونبني له دولة