مشروع قانون انتخابي على أساس المناصفة والنسبية:
يحفظ الصيغة، لا يمسّ بالنظام ويضفي الوطنية على الزعامة
لبنان، وطن مُركب من طوائف لم تنجح في بناء دولة حاضنة للجميع بعدالة، تائه فيه (حامل الجنسية اللبنانية) بين طائفيته ولبنانيته، فالطوائف المكونة له هي أقليات غير مطمئنة، والمواطن يعاني من تخمة في الحماية الطائفية "المفتعلة"، ونقص في المواطنية "المهملة".
وهذا أحد أهم أسباب عدم استقرار حالة السلم الأهلي المنشود من الجميع، وضعف وسائل تحصينه.
إن توسيع دائرة الإندماج الوطني بين المكونات كافة لا يمكن أن تقتصر على الجانب المعنوي وبشعارات لا تغني ولا تسمن من جوع، وكذلك الإندماج الاجتماعي وحتى العدالة الاجتماعية لا يكفيان لطمأنة الطوائف إلى ثبات وجودية أي منها، طالما أنها خارج عملية إنتاج ممثليها في المجلس النيابي، وكذلك خارج عملية إنتاج السلطة في الدولة "الموعودة".
ولأن القانون الانتخابي هو أساس بناء السلطة والمُعبّر الحقيقي عن واقع البلد وعن المستوى الديمقراطي لشعبه، والحجر الأساس في عملية تثبيت الاستقرار وتحصين السلم الأهلي، فهو يجب أن يراعي التركيبة اللبنانية الطوائفية، ومن دون أن يخلق صداماً مع زعمائها أو بين الطوائف – بحيث يجمع بين طمأنة الطوائف لناحية إحترام التنوع السياسي من داخلها، وتأمين عدالة التمثيل للأمة جمعاء بالمشاركة الوطنية في الإختيار (التفضيلي) من بين من إلتقوا وطنياً على خيار مشترك انبثق من إلتقاء الخيارات المتنوعة داخل كل طائفة، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تنمية الثقة وتبادلها، وإلى توسيع دائرة الاندماج، فطالما أن أبناء كل طائفة اطمئنوا إلى ثبات وجودية طائفتهم في الوطن والدولة من خلال ضمان دورهم في بناء السلطة، فهم بالتأكيد سيخرجون من الحلقة الطائفية الضيقة إلى البيئة الديمقراطية السليمة والشاملة من دون تمييز غير معلن، وسيندمجون "مع الشركاء" آمنين مطمئنين، والأهم أنهم سيتجرءون على ممارسة المواطنية والديمقراطية من دون خوف ومن خارج الحاجة إلى حماية الطوائف "المفتعلة".
من هذه المنطلقات، نطرح للمناقشة فكرة مشروع قانون انتخابي "دستوري – ميثاقي" يحفظ الصيغة ولا يمس بالنظام، ويضمن تمثيل الجميع ويطمئنهم طائفياً وسياسياً ووطنياً – على أساس النسبية – ويضع حداً للتحريض الطائفي، ويزيل الغبن الانتخابي الناجم من التوزّع الجغرافي الطائفي "غير المتكافىء انتخابياً"، وبما لا يفتعل صداماً مع محتكري التمثيل الطائفي (الزعماء)، فالمقصود هو السير بعملية التغيير عبر المسار الانتخابي السلس وغير المثير فيما يتطلبه من تنازلات صغيرة.
وبالاستناد إلى الفقرات (ج، ح، ط، ي) من مقدمة الدستور، وكذلك المادتين 24 و 27 منه، واعتبارها الخطوة الأولى لتطبيق المادة 95.
تهدف الفكرة إلى نقل مفهوم التعامل بين الطوائف من منطق (الحاجة إلى الإئتلاف) لتقاسم المصالح إلى منطق (اندماج الحاجات إرادياً وتلقائياً) لتوحيد المصالح. وكذلك نقل مفهوم الديمقراطية التوافقية من (منطق التوزيع غير العادل للحصص) إلى مفهوم (لي فيما هو لك، ولك فيما هو لي).
أسس المشروع الانتخابي:
1. الانتخاب على أساس (النسبية) في لبنان دائرة انتخابية واحدة، وعلى أن تجرى في يوم واحد.
وفي هذا إلغاء للمفهوم الطائفي للفقرة (ج من المادة 24 من الدستور)، التي كانت قد اعتمدت للتعويض عن التوزّع الجغرافي الطائفي "غير المتكافىء انتخابياً".
2. تخوضها لوائح (ميثاقية) تتألف كل منها من أي عدد من المرشحين، بشرط دستوري – ميثاقي وهو (المناصفة في اللائحة بين الفئتين الإسلامية والمسيحية) للمنضوين فيها ومن دون تحديد لأي طوائف هم ينتمون. ويفضل أن تكون اللائحة – على الأقل – مؤلفة من 10 مرشحين (مناصفة) تتمثل فيها المحافظات الخمس الرئيسية بمرشحَين (1 مسلم + 1 مسيحي) عن كل محافظة كحد أدنى.
وفي هذا تثبيت لمبدأ المناصفة، بين الفئتين المسيحيين والمسلمين، الوارد في الفقرة (أ من المادة 24 من الدستور)، إبتداءً من الترشح في لوائح "ميثاقية بالمناصفة" كوسيلة إندماج وتعاون على المستويات كافة بين أبناء الفئتين وتكريس الحاجة المتبادلة فيما بينهم في سبيل الوصول إلى السلطة.
كما أن ميثاقية اللوائح (المناصفة عند تشكيلها) لا تهدد الزعامات القائمة، بل تنقل مفهومها من الزعامة الطائفية إلى مفهوم الزعامة الوطنية الشاملة، والتي لا بد وأنها ستنعكس إيجاباً على مسار إعادة الإعتبار لمفهوم المواطنية.
ولا يغيب عن البال، حاجة مرشحي اللوائح إلى أصوات المقترعين في المناطق المهملة من الدولة، ما يرفع من حظوظها في الحصول على حقوقها الدستورية في الإنماء (المتوازن) الذي يعتبر واحدة من ضمانات الوحدة الوطنية والاستقرار العام، وربما تفعيل الهجرة المعاكسة إلى المناطق.
3. كل طائفة تظهّر التنوع في الخيارات الانتخابية لأبنائها بمنح كل لائحة (عدد) المقاعد من هذه الطائفة لهذه اللائحة، بالقياس إلى النسبة المئوية التي نالتها اللائحة من مجموع المقترعين لها من الطائفة نفسها.
وفي هذا تطبيق ديمقراطي للفقرة (ب من المادة 24 من الدستور)، والتي لا شك في أن مفهومها الديمقراطي الحقيقي يعني تطبيق النسبية بين طوائف كل من الفئتين (من داخلها ومن خارجها).
4. وبالتزامن يُسمي أبناء الشعب اللبناني (أي إجمالي مُقترعي الطوائف) الذين اقترعوا للائحة ما – على مساحة الوطن – بالتفضيل (أسماء) الفائزين من اللائحة نفسها، ومن دون ربط بين طائفة المقترع (المُفضِل) وطائفة المرشح (المُفضَل)، أي "التفضيل من خارج القيد الطائفي".
وفي هذا تطبيق واقعي، خالٍ من الطائفية، للمادة 27 من الدستور.
أما الصيغة التطبيقية فهي التالية:
أولاً: لبنان دائرة انتخابية واحدة.
ثانياً: الترشح "فقط" على أساس ميثاقي بالمناصفة، مع ضرورة مراعاة التوزيع الطائفي والمناطقي في كل لبنان، مع أنه سيكون "تحصيل حاصل" بحكم الدائرة الواحدة والمناصفة. (وهذا يعني إلغاء التحريض الطائفي المتبادل تلقائياً وبشكل نهائي).
ثالثاً: يقترع الناخبون في صندوق اقتراع واحد، يقترع فيه أبناء كل طائفة – حسب خياراتهم السياسية – لأي لائحة قد يمثل برنامجها خيارهم الانتخابي، مع حق التفضيل الوطني بين المرشحين من اللائحة نفسها من خارج القيد الطائفي ومن ضمنها.
رابعاً: تكون أوراق الاقتراع مطبوعة مسبقاً ومن قبل الهيئة الخاصة للانتخابات، وهي تضم صورة واسم لكل مرشح مع مربع صغير لوضع إشارة التفضيل أو بصمة التفضيل للأميين.
خامساً: في النتائج:
أ – تنال كل لائحة (عددياً) مقاعداً نيابية من كل طائفة توازي النسبة التي نالتها من داخل كل طائفة. وهذا ما سيمنع "الزعل" بين المتحالفين، فمن كان ذو حيثية طائفية، وطنية أو شعبية، فإنه سيقدّم للائحة بقدر حجمه الحقيقي، بدلاً من التباكي على ما "سُلب" منه…!، أو يلقي باللوم على حلفائه، خاصة وأن الخاسر على أساس النسبية هو رابح، عبر تمثيل برنامجه من خلال حلفاؤه الفائزين من اللائحة.
ب – يفوز (إسمياً) بمقاعد اللائحة المستحقة لها من كل طائفة، المرشحون المنضوون في اللائحة نفسها، الذين نالوا العدد الأعلى من الأصوات التفضيلية الوطنية (من جميع الطوائف)، وهذا يعني مشاركة جميع اللبنانيين في انتخاب من يستحق اللقب الدستوري "نائب عن الأمة جمعاء"، وبعد حصوله على أصوات من آمن بخياره وبرنامجه من بني طائفته، وإعادة ربط العلاقة بين الناخب والمنتخب على مساحة الوطن.
وبذلك تكون كل طائفة – بإرادتها وباستقلالية تامة – مسؤولة بشكل كامل عن التفاعلات السياسية لأبنائها من داخلها، وأيضاً كسرت قيد احتكار تمثيلها بشكل قانوني وديمقراطي، وظهّرت التنوع السياسي لديها وتمثلت كافة قواها السياسية بأحجامها الفعلية، وكذلك فتحت الباب أمام إلتقاء الخيارات السياسية والوطنية المشتركة بين أبنائها وأبناء الطوائف الأخرى "الشريكة في الوطن"، تمهيداً لخلق شراكات متجانسة وطنياً وميثاقياً، وللقضاء على فكرة الصراع الطائفي للخيارات، ونقله إلى خانة الاختلاف السياسي المشروع والبنّاء، ومقدمة لإعادة الاعتبار إلى مفهوم المواطنية.
فضلاً عن ما سينتجه هذا القانون من تحديد واقعي وتظهير للأحجام الوطنية الحقيقة للمرشحين بدلاً من الأحجام الإعلامية والمالية، فهو سيغير في تركيب اللوائح في الدورات الانتخابية المستقبلية، كبديل عن التأبيد النيابي للبعض، ومدخلاً للتجديد في كل دورة انتخابية.
وبذلك أيضاً يكون "المواطن – المقترع" هو من صنع واستقدم إلى الندوة النيابية الرأي الثاني، الثالث، الرابعس والخامس من دون فضل أو إتهام لأي كان.
وما يوازي ما سبق في الأهمية، هو كسر الاحتكار عبر تأمين الفرصة "المتدرجة" لتمثيل الأحزاب العلمانية والمدنية، وربما لتمثيل هيئات وجمعيات وفعاليات المجتمع المدني، في حال كانت أحجامها أو تحالفاتها تسمح بذلك.
وإلى جانب اعتماد الفكرة الانتخابية أعلاه، أقترح أن يكون لكل ناخب الحق بـ (صوتين تفضيليين) وذلك لتنويع الخيارات التفضيلية وعدم حصرها في اختيار واحد (الذي غالباً ما يكون طائفياً) لأن الناخب في لبنان هو ابن طائفته في ظل غياب ثقافة المواطنية وضعف مفهوم المجتمع المدني وفعالية دوره، وسيشكل ذلك باب خلاص من أسر محدودية الخيار الموجّه طائفياً، وإمكانية خلق شخصيات "جديدة" ذات حيثية انتخابية وطنية موازية للزعامات التقليدية ووارثيها.
أما المكسب الإضافي والمهم من هذا الاقتراح – وفي ظل مبدأ "وقف العدّ" – فيتمثل في التثقيل – غير المباشر – للصوت المسيحي، ومن دون مِنّة من أحد، أو منح مزايا "تفضيلية من خارج المساواة بين المواطنين" أو تمييز للناخبين المسيحيين عن الناخبين المسلمين، ويمكن ترجمة هذا التثقيل، كما يلي:
إذا اعتبرنا – وهذه حقيقة "مؤقتة" – أن وجهة الصوت التفضيلي الواحد هي طائفية، وأيضاً أن عدد أصوات المقترعين من كل طائفة مهما كبر إنما هو سيوزع تلقائياً – وبنسبة كبيرة – على عدد المقاعد المخصصة للطائفة نفسها، فإن ناخبي الطوائف "الصغيرة" والتي يمثلها نائب واحد (أرمن كاثوليك، انجيليون وأقليات) ليسوا بحاجة إلى أي صوت تفضيلي لمرشح طائفتهم في أي لائحة انضوى فيها، لأنه سيكون حكماً من حصة اللائحة التي نالت العدد الأعلى من أصوات مقترعي الطوائف الصغيرة وبسبب إنتفاء الحاجة للتفضيل، وبالتالي سيبقى في جعبتهم (صوتان تفضيليان) يستطيعون تقديمهما لمرشحين من غير طائفتهم، أي أنها ستكون عملياً (أصواتاً تجييرية – مرجحة تفضيلياً) وهذا ما يمكن اعتباره تثقيلاً غير مباشر يمنح هذه الطوائف قوة التأثير في التحالفات والحصول على الاهتمام بها والمستحق لها (هذا التثقيل مبني على دراسة بالأرقام).
إن لم يكن اليوم، فلتكن فكرة للمستقبل القريب، لأن ضياع سنوات إضافية، من عمر الشعب اللبناني وحلمه بالخلاص، أصبح كطرفة عين مقابل ما ضاع منه حتى يومنا هذا، وهو ما زال يأمل من دون أن يسعى…
أما ما في النفوس فسيتغير رويداً رويداً مع تنامي الحاجة إلى توحيد المصالح بين اللبنانيين، ومع ربط ثبات وجودية الطوائف بالحفاظ على استمرارية الكيان اللبناني.
فلا يليق باللبنانيين استنساخ قديمهم وانتظار نتائج مختلفة.
(لا يأس مع العمل، إذا وُجد من يعمل(.