المحكمة الدولية ومعها لبنان ” إلى أين” ؟؟ – فرحات الخوري

كثرت التساؤلات، في الأونة الأخيرة، عما سمي ب" إعادة التموضع" للنائب وليد جنبلاط – أكان داخل إطار حركة ١٤ اذار الاستقلالية، أم خارجها -، كما كثرت التفسيرات والتبريرات لمواقفه الأخيرة، وبخاصة بعد كل ما أحدثته من ارتدادات سلبية، داخل فريق الأكثرية، كما على الصعيد الوطني العام، مؤخرةً ولادة الحكومة العتيدة، مع الاسباب التأخيرية الأخرى من قبل فريق الأقلية النيابية.




كذلك، كثرت التوظيفات والاستغلالات لمواقف وليد بيك، خاصةً وأن الصورة لم تتبلور حتى الحين، بشكل نهائي، عن موقع وليد بك "المستحدث"، داخل ١٤ اذار، أم خارجها، بين صفوف ٨ اذار، أو الكتلة الوسطية – غير الموجودة حتى الأن -. هذا التموضع غير الواضح الأفق حتى الساعة، دفع بفرقاء كثر من الأكثرية، أكانوا أقطاباً، نواباً داخل كتل، كوادر حزبية، أم شخصيات بارزة، للمطالبة بإعادة النظر في صيغة 15-10-5 , التي قد تتحول إلى 12-10-5+3 أو حتى 12-10+3-5, بحسب تموضع وليد بيك الجديد، كما دفع بالبعض الأخر منهم إلى المطالبة بحكومة أقطاب أو حكومة تكنوقراط، تسير شؤون الناس وسط هذا الاصطفاف والإنقسام السياسي الحاد في البلاد … ولكي لا تتحول الحكومة العتيدة إلى تجمع اقليات ليس إلا.

هذا كله دفع بوليد بيك إلى الاسراع لتوضيح الصورة والتأكيد للرئيس المكلف سعد الحريري، أنه باقٍ ضمن صفوف ١٤ اذار، رغم بعض التمايز عنها، الأمر الذي سيعلنه وجهاً لوجه، في لقائه معه، والذي يتم التحضير إليه، ليجري في أسرع وقت ممكن، كسراً للجليد القائم بين هذين القطبين، إثر خطاب جنبلاط في ٢ أب، وليعيد عجلة تأليف الحكومة إلى ما كانت عليه قبل هذا التاريخ المذكور، فتثبيت صيغة 15-10-5 التي كان متفق عليها، لكي لا تدخل البلاد في شلل، لا مهرب أو مخرج منه.

لكن الملفت، خارج إطار قوى الأكثرية، كان تمسك الأقلية بصيغة 15-10-5 ورفضها التراجع عنها، بعد مواقف وليد بيك الأخيرة، وإصرارها على تشكيل الحكومة بالسرعة القصوى الممكنة … في الواقع، هذا لأنها ستحظى ب"الثلث المعطل" الذي تريد، بشكل مضمر، عبر حصة وليد بيك الوزارية، الذي سيلاقيها فقط في المواقف الاستراتيجية، بعد أن إتضح لها أن الوزير "الوديعة" في حصة الرئيس سليمان، ليس واقعاً، لا بل تمنٍ ليس إلا. فعادت الأقلية تحاول تسهيل عملية تشكيل الحكومة، باستثناء عون الذي يغني على ليلاه، خارج سرب ٨ اذار حتى، مأخوذاً بمطلابه الشبه تعجيزية، محاولةً منه لتعويمه وتياره، بعد الانكسارة الكبيرة التي مني بها في السابع من حزيران ومحاولةً منه لحصد العدد الاكبر من الوزراء والحقائب.

لماذا إذاً هذه الالتفافة الجنبلاطية وملاقاة الأقلية في المواضيع الاستراتيجية؟؟ ولم إصرار الأقلية على "الثلث المعطل" ؟؟

في الواقع، كل هذه التساؤلات جعلت من وليد بيك ومواقفه الاخيرة، المادة الدسمة للإعلام اللبناني، فكان الكل يتساءل: وليد جنبلاط " إلى أين "؟؟، والكل يجيب على التساؤل المطروح، بحسب ما تتطلب مصالحه الخاصة. ولكن إذا ما غصنا في أبعاد مواقف وليد بك، دون الإكتفاء بظاهرها، محاولين الإجابة عن تلك التساؤلات الحيوية كلها، التي طرحت سابقاً، بتحليل موضوعي ومتابعة دقيقة، لأدركنا إلزامية تصويب التساؤل، ليصبح: المحكمة الدولية " إلى أين "؟؟؟

أولاً، بعد أن أعلن وليد جنبلاط أن تحالفه مع قوى ١٤ اذار لا يمكن أن يستمر، ثم عاد واوضح أنه مستمر في تحالفه مع قوى الاكثرية، إلا أنه متمايز عنها نوعاً ما، في بعض المسائل والتفاصيل، عاد وبرر موقفه بأنه ليس إلا محولةً لإنهاء ذيول ٧ ايار. الأمر الذي يؤكد أن تموضعه الجديد، ليس إلا تخوفاً من إعادة إستخدام "حزب الله" لسلاحه في الداخل، ما دفع بجنبلاط لقيامه بما قام به، خشيةً منه على أبناء طائفته في الجبل، كونهم أقلية محاصرة جغرافياً من قبل الحزب.
فاذا ما وجدتم، يا أيها القراء الكرام، أن جنبلاط بمواقفه الأخيرة، يفتقد نوعاً ما، إلى المنطق والتفكير الواعي والسليم المتزن، كونه يقول ما يقول ثم يتراجع ويبرر، ثم يعود ويهاجم، ثم يهدئ، إلى درجة انكم لم تفهموا موقفه النهائي حتى الحين، فلتدركوا أن هذا طبيعي جداً لدى زعيم المختارة، كونه ليس ناتجاً إلا عن الهاجس المرعب الذي يرافقه، بعد أحداث 7 ايار الجد أليمة.
فما سبب هذه الخشية الزائدة لدى وليد بيك؟؟؟

ثانياً، بعد أن أكدت قوى الاكثرية رفضها التام لإعطاء الأقلية الثلث المعطل، كونه ينسف ارادة الشعب اللبناني وثقته بمن إختار لينوب عنه داخل الندوة البرلمانية ويمسك زمام السلطة، كما ينسف مشروع بناء الدولة، عبر التعطيل والشلل، الذي عهدناه سابقاً من نفس هذا "الثلث"… إتضح أن الأقلية لاتزال مصرة على مطلبها المعطل. فلماذا هذا الاصرار؟؟

من ناحية أولى، لقد أثبتت التجارب السابقة عدم حاجة الاقلية لثلث ضامن أو معطل، خاصةً وأنه غير وارد في أي من بنود الدستور اللبناني أو اتفاق الطائف، لا بل ينسف كليهما والنظام الديموقراطي اللبناني ككلّ. فإن حملت هذه الاقلية هاجس تعديل دستوري ما، فهذا أمر غير وارد بفعل حصول الاكثرية على ما يقلّ عن ثلثي المجلس النيابي، وفي حال حملها هاجس المقاومة وسلاحها، فهي لا تحتاج لثلث معطل ولا حتى مشاركة في الحكومة من أساسه، إذ أن "حزب الله" ، في كل المحطات الحاسمة في البلاد، وخاصةً في السابع من أيار، أكد نظرية أن السلاح يحمي السلاح.
ناهيك عن أن نزعتها الاصلاحية التغييرية التنموية … – وهي فقط شعار فارغ وحبر على ورق لجذب المناصرين – لا تحتاج لثلث معطل أو ما شابه، كون كل وزير هو ملك في وزارته.

من ناحية ثانية، وفي نفس إطار نظرية: السلاح يحمي السلاح، وبما أن الشعب اللبناني كله موحد، على الدوام، في وجه أي عدوان إسرائيلي، رغم الخلافات الداخلية، فإن سعي "حزب الله" ليكون ممثلاً في الحكومة العتيدة أمر مشروع ومبرر، للحصول على شرعية معينة لمقاومته وسلاحها، اثر تخوفه من ضربة إسرائيلية قريبة في أوائل العام المقبل، ولكن هذا لا يبرر سعيه الدؤوب للحصول على الثلث المعطل!!
فما هو الهدف الحقيقي من وراء الثلث المعطل ؟؟!!

نتيجة لما سبق، نتفهم ربط العديد من المحللين والمتابعين للحركة السياسية اللبنانية والإقليمية، ما بين الثلث المعطل والقرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة في إغتيال الشهيد رفيق الحريري، مع التكهنات، التي تصب كلها في خانة أرجحية ابعاد أصابع الإتهام عن سوريا والإكتفاء بتوجيهها نحو بعض كوادر ومسؤولي "حزب الله" ، كما أعلنت مجلة "دير شبيغل" الالمانية، في وقت سابق.
هذا ما يبرر إذاً هواجس جنبلاط، وتخوفه من إعادة إستخدام السلاح في الداخل، كما ويبرر تمسك "حزب الله" بالثلث المعطل، كضمانةٍ تعطيلية له في وجه أي قرار حكومي، سيكون واجباً اتخاذه، في حال إكتشاف حقائق خطيرة، في ما يخص عمله ونشاطه الداخلي المسلح.

فلنستذكر جميعاً عندما طلب جنبلاط من الحريري الاكتفاء بالحقيقة دون العدالة، في ما يخص جريمة إغتيال والده الشهيد – كما فعل هو في جريمة إغتيال والده كمال بيك جنبلاط -، إذا ما كانت ستؤدي إلى ضرب السلم الاهلي في البلاد، كما عاد وشدد أكثر من مرة على تخوفه من فتنة سنية – شيعية في لبنان، في اشارتين إذاً إلى القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية.

فما مصير المحكمة الدولية وسط كل هذه الظروف؟ واذا ما صحت معلومات "دير شبيغل"، فما المصير الذي ستؤول إليه البلاد، أم أن مصير المحكمة الدولية، سيكون طمس حقائقها، واقفال ملفاتها وتذويبها، فرمي التهمة مثلاً نحو الأصوليين … بدل أن يؤول مصير البلاد نحو الهاوية و الخراب، أمام واقع الحقيقة المفجعة ؟؟
وما سيكون موقف قوى الاكثرية وخاصةً الشيخ سعد الحريري، أمام مثل هذا الوضع ؟؟ هل سيقبل هذا الأخير المساومة على دماء الشهادء كافة، الذين سقطوا ليزهر ربيع لبنان سيادةً واستقلالاً، في 14 اذار 2005 … لينقذ البلاد من إجرام وهمجية ووحشية السلاح غير الشرعي، عندما يحاول "حزب الله" "قلب الطاولة" وطمس حقيقة بعض اعماله "الإلهية" المفجعة – في حال صحت معلومات "دير شبيغل" -، بفرض القوة ومنطق السلاح … أم أن الحريري سيواجه وكيف ؟؟؟