كشفت وسائل الإعلام صباح امس ان رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، التقى ليل الاثنين الماضي المعاون السياسي للامين العام لـ"حزب الله" السيد حسين الخليل، وانهما بحثا في الأزمة السياسية المتمثلة في عدم تأليف الحكومة الجديدة بسبب عقبات عدة ظاهرة، ابرزها مطالب "التيار الوطني الحر"، وأخرى غير ظاهرة، لبعضها علاقة بأجندة اقليمية معينة، ولبعضها الآخر علاقة بمطالب داخلية معينة قد تكون "صيغوية" اذا جاز هذا التعبير. وحدها الزميلة "اللواء" ذكرت ان اللقاء تخلله عتاب، وقد بادر به الحريري ضيفه الخليل، معتبراً ان "حزب الله" لم يحاول، رغم خطورة الاوضاع، اقناع حليفه "التيار الوطني الحر" بتليين شروطه او مطالبه. وطلب من حزبه بذل محاولة جدية في هذا الاتجاه اذا كان حريصاً على الصيغة الحكومية التي يقول فريقا 8 آذار و14 آذار انهما قبلاها، اي صيغة حكومة الوحدة الوطنية المؤلفة من 15 وزيرا للغالبية وعشرة وزراء للاقلية وخمسة وزراء لرئيس الجمهورية (وهذه صيغة في مصلحة الاقلية المعارضة لأن فيها ثلثاً معطلاً مقنّعاً او مموّهاً من داخل الحصة الوزارية للرئيس وربما بموافقته او "تطنيشه"، كما بموافقة الجميع و"تطنيشهم"، لأن الهدف كان عند الاتفاق على الصيغة المذكورة تأليف الحكومة وعدم تحويل هذا الموضوع ازمة).
لا شك في ان محادثات الحريري – الخليل تناولت اموراً كثيرة وتفاصيل اكثر تتعلق بالحكومة وبالسياسة العامة وتدخلات الخارج المتنوع والمتناقض، وبمصير الازمة الحكومية، وهل يكون انفراجاً او انفجاراً؟ لكن احداً من القريبين من الرجلين، او بالأحرى من فريقيهما، لم يبادر ولا يبدو انه سيبادر الى تزويد الاعلاميين بعضاً من هذه التفاصيل كما جرت العادة، ربما لأن لدى "حزب الله" من ينوب عنه في التصعيد، الامر الذي يمكّنه من ممارسة الايجابية الظاهرة واقناع شعبه ومحاولة اقناع الشعوب الأخرى بحسن نيته وطيب استعداده للتعاون والتسهيل، وفي الوقت نفسه رمي مسؤولية التعطيل على الآخرين. وربما لأن رئيس الوزراء المكلف، المستهدف فريقه (14 آذار) وتكليفه وكرامته ومن يمثّل ودوره في موقع رئاسة الحكومة، لا يريد رغم اصراره على إحباط هذه الاستهدافات، اعطاء اخصامه السياسيين ذرائع تمكنهم من تصويره عقبة امام جمهوره او شعبه، وكذلك امام "الشعوب" الاخرى.
هل يعني ذلك ان الامل في معرفة ما دار في اجتماع الحريري – الخليل ضئيل؟
الجواب هو ان ذلك صحيح من الناحية النظرية، على الاقل الآن، وقبل ان يرى أي من الاثنين او الاثنان معاً ان مصالحهما تقتضي التسريب، سواء الشامل، وهذا مستبعد، او المجتزأ. لكن ذلك، على صحته، لا يمنع محاولة تصور موقف "تيار المستقبل" وزعيمه رئيس الوزراء المكلف من الأزمة الحكومية في مرحلتها الراهنة استناداً الى معطيات ومعلومات متنوعة والى تحليل موضوعي. وطبيعي ان يساعد في ذلك "العتاب" الذي كشفته الزميلة "اللواء" صباح امس وخيَّم على اجتماع ليل اول من امس وكان في معظمه حريرياً.
وتشير التحليلات والمعلومات والمعطيات الى الآتي:
-1 استياء رئيس الوزراء المكلف بقوة من طريقة تعامل زعيم "التيار الوطني الحر" ميشال عون مع دعوته اياه الى الغداء في منزله للبحث في تأليف الحكومة. فهو وجّه اليه الدعوة بواسطة ابن عمته ورئيس مكتبه نادر الحريري. في حين ان عون رد بموقف "غير أصولي" لا داعي الى تكراره. اما رد الحريري فكان بياناً من اسطر قليلة ليس فيها اي خروج على الأصول. وكان ايضاً تمسكاً بالدعوة الى الغداء. ولكن تلبيتها تبقى بيد العماد عون وحده. ولن ينفع في ذلك توسّط صديق او حليف.
2 – لا يبدو ان رئيس الوزراء المكلف سيتراجع امام المطالب الحكومية لعون وتحديداً تلك التي يرفضها اساساً. فلا توزير لخاسر (اي لباسيل). ولا "اتصالات" لـ"التيار". و"الداخلية" للرئيس. وربما لا "كهرباء وطاقة" لـ"التيار" بعد فشل حلفائه اكثر من مرة في ايجاد حلول لمشكلاتها المتفاقمة.
3 – يعرف رئيس الوزراء المكلف ان العماد عون "يقاتله" الآن بقوة "حزب الله"، وذلك يعني موافقة الاخير على مواقفه. ولا يعفيه من المسؤولية القول انه حليف ولا يضغط عليه. فـ"القوات اللبنانية" كانت ضد انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب، وكان يمكن ان يسايرها فريق 14 آذار او معظمه. لكنه لم يفعل لانه مؤمن بأن التسويات افضل لأن الحلول الجذرية مستحيلة.
4 – لن يقبل رئيس الوزراء المكلف ان يصل الى السرايا الحكومية مع حكومته الاولى "مشرشحاً". ولن يسمح لأحد بأن يحاول "شرشحته". وهذا امر يبدو ان البعض يسعى اليه علناً، فهل حلفاء هذا البعض لا يمانعون فيه؟ هذا سؤال كبير.
5 – لا يقبل رئيس الوزراء المكلف ان "يربِّحه" احد "جميلاً" فلقد ادى قسطه للعلى بقبوله "الاطار السياسي العام" للحكومة، وان عليه وحده ان يحل المشكلات الاخرى التفصيلية. فهذا الاطار، اي صيغة الـ 15 + 10 + 5، أتى من دمشق بعدما تشاورت مع السعودية ووافق عليه الجميع.
6 – لا يقبل رئيس الوزراء المكلف الاتهام بأنه ينفذ سياسة او موقفاً سعوديين في ما يتعلق بالحكومة. فالسعودية لا تدخل في التفاصيل، وهذا معروف عنها، في حين ان سوريا تتدخل في كل كبيرة وصغيرة. وهذا الواقع على "حزب الله" وفريقه الاعتراف به والمساعدة لتذليل صعوبات التفاصيل فيه.
7 – طبعاً لا يمكن ان يكون معاون الامين العام لـ"حزب الله" حسين الخليل قد قبل هذه المواقف كلها في حال تناولتها المحادثات والمناقشات مع الرئيس المكلف. ولا بد ان يكون قد رد عليها وفقاً لمنطق حزبه وقيادته. وتفاصيل ذلك لا بد ان يطّلع عليها في يوم قريب اللبنانيون بـ"الوسائل" المعتادة.
ماذا يمكن ان يستخلص اللبنانيون من ذلك؟
يستخلصون ان الازمة الحكومية صعبة، وان حلولها ليست متيسرة على الاقل الآن. وانها قد تتعقد اكثر وخصوصاً في ظل التطورات الاقليمية السلبية الاخيرة وفي ظل عدم الارتياح الاميركي الاوبامي الى تردد دمشق وازدواجيتها. وهذا امر اوحاه الرئيس ميشال سليمان الى عدد من زواره اخيراً. كما اوحته وسيلة اعلام سورية. والتعقيد قد لا يبقى سياسياً.