«العلاقات السورية ـ السعودية ممنوعة»
هذا التوصيف هو لقطب بارز يقف الآن في مكان بعيد عن الاستقطابات الداخلية الحادة، لكنه لا يضع نفسه خارج تأثيرات أو تداعيات التجاذب الإقليمي القائم لأسباب مختلفة بينها لبنان، وسط خشية كبيرة من انعكاسات سلبية لما يحصل حولنا على الوضع الداخلي.
إلا أن الجميع يعرف أن ما بدأ بين السوريين والسعوديين لم يتجاوز حدود التفاهم على إطار للحل. لكن المباشرة بالتنفيذ تتطلب أدوات أخرى، وآليات عمل أكثر حيوية، الأمر الذي لم يعد متوافراً بعد التدخل المباشر والقوي للولايات المتحدة الأميركية ومصر، الذي بات حاضراً في كل الاتصالات الجارية.
الآن، في بيروت، وعلى مسافات بعيدة، الكل لا يعتقد بأن ملف الحكومة سوف يخرج إلى حل قريب. حتى إن كثيرين يحلو لهم التندّر بأنه قبل انتهاء رمضان، واستعادة السعودية نشاطها لن يكون بمقدور أحد الوصول إلى حل. والمسؤولون الأميركيون في إجازة تستمر إلى الثامن من أيلول المقبل، وإلى حينه لن يقدر أحد على بتّ شيء. وفي هذه الأثناء، ثمة انشغالات بالتحضير لملفات تعدّ أكثر حساسية عند الجميع.
دنيس روس، الخبير والمستشار والمتدخل في أمور كثيرة، أوضح لمتصلين به أن على اللبنانيين عدم المبالغة في تقدير حجم ملفهم الداخلي. وما دام الأمر يتعلق بسوريا وحزب الله وإيران، فإن في المنطقة الآن أكثر من برنامج، ولن يكون هناك إمكان لفصل الملفات بعضها عن بعض. وربما هذا ما يفسر التوقف المفاجئ للمساعي السعودية باتجاه سوريا والتي تتعلق حصراً بالملف اللبناني. إذ جرى إفهام السعوديين بأنه لا مجال لفصل ملف عن آخر.
في هذا السياق، يمكن فهم ما يجري الآن بين سوريا والعراق. المحادثات التي كانت قائمة بين الجانبين، والتي جرت على مراحل في كل من دمشق وبغداد. إذ فجأة دخل أحد على الخط، وعادت إلى الواجهة المواقف المتشنجة التي وصلت إلى حدّ القرار بسحب السفراء، على خلفية الأحداث الأمنية القائمة الآن في بغداد. ويختصر مراقبون ما يجري الآن على هذا الصعيد بأنه «تفاوض تحت النيران»، ولا سيما أن الأميركيين سبق أن طالبوا دمشق بخطوات كثيرة تخص العراق، لا بل إن مسؤولاً سورياً رفيع المستوى يجزم بأن كل محادثات جورج ميتشل في دمشق تناولت الوضع في العراق وأتت سريعاً على أمور أخرى، من بينها ملف لبنان.
وإذا كانت الأمور مقبلة على مزيد من التشنج والتوتر من جانب الولايات المتحدة وحلفائها ضد سوريا، فإن الأمر كان أكثر وضوحاً من جانب العدو، حين أبرز رئيسه شمعون بيريز ما رآه شروطاً مضادة للتفاوض مع سوريا تشمل وقف دعم حزب الله في لبنان وطرد قيادات المقاومة الفلسطينية من دمشق، وهي العناوين التي يُجري الغرب عادةً العمل عليها أيضاً.
ولما كانت دمشق تحاول محاصرة النيران في حدود ضيقة، فإنها لم تهمل رغبة أطراف في المنطقة والعالم في دفع الأمور نحو مواجهات مفتوحة، ولذلك لم تبادر دمشق إلى الضغط على السعودية للمضي في الحوارات التي بدأت منذ قمة الكويت الشهيرة، والتي تركزت ربطاً بملف الانتخابات النيابية اللبنانية. وفي هذا الإطار، يشير المطّلعون إلى أن الاتصالات السورية ـــــ السعودية لم تنقطع بعد فشل مشروع «إعلان دمشق» الخاص بلبنان. ويتولى الأمير عبد العزيز نجل الملك السعودي عبد الله الاتصال هاتفياً كل أسبوع أو عشرة أيام بالمسؤولين السوريين للتأكيد «أننا على الخط»، الأمر الذي يبقي الأمور في حدودها ولو مع برودة.
لكن هل يقتصر الأمر على هذه الحدود؟
السؤال يحتاج إلى تدقيق، وإلى تبصّر، لأن من يرفض التسوية السريعة، يمكنه البحث عن مزيد من العقبات، ويكفي قراءة ما قاله المسؤول الأميركي جيفري فيلتمان لصحافيي 14 آذار عن التطورات في لبنان وطريقة تقديمه الموقف الأميركي، ليفهم أن الولايات المتحدة ليست في وارد الإقدام على أي خطوة مسهلة، وهي تريد أن تعكر الفكرة أو المسعى السعودي ولو من دون خلاف مع الرياض. لكنها لتفعل ذلك تحتاج إلى أدوات محلية من النوع الخاص، وهو الأمر المثير للقلق، وخصوصاً بعد ارتفاع لهجة التحريض من جانب قيادات، البارز فيها هم الأقرب إلى الرئيس المكلف سعد الحريري، الذي ربما حاول أخيراً استيعاب الموقف عندما بادر إلى الاجتماع من جديد مع قيادات من حزب الله، ثم إطلاق الموقف بضرورة وجود الحزب داخل الحكومة رغماً عن إسرائيل، والطلب إلى وسائله الإعلامية التوقف عن مهاجمة الحزب مباشرة، كذلك الطلب إلى قيادات في «المستقبل» إبقاء الأمور في حدودها الدنيا.
وبهذا المعنى تلفت مصادر معنية إلى أن الضغط لتأليف الحكومة لا يتعلق فقط بعدم ربط الملف اللبناني بمصير ملفات شائكة في فلسطين ولبنان وإيران، بل خشية أن يتحول التأخير إلى فراغ لا يملأه سوى الصراخ الذي يمهد عادة لما هو أسوأ