هل صحيح أن شعارات الاستقلاليين سقطت ؟ – علي حماده – النهار

منذ انتهاء الانتخابات تبدّل المشهد السياسي اللبناني بالاصطفاف الحاد الذي شهده لبنان بين فريقين جرت مواجهة كبيرة بينهما على امتداد 4 سنوات متتالية. وكانت تباشير التبدّل أطلت من خلال حراك النائب وليد جنبلاط السياسي نحو المصالحات بين الجبل و"حزب الله"، وابتعاده عن حلفائه الاستقلاليين بخطابه وتلميحاته ثم بخطوات متسارعة لنقل الهدنة مع "حزب الله" خطوة الى الامام لتتحوّل هدنة مع دمشق. ثم تبع حراك جنبلاط حراك مسيحي – مسيحي بين الرئيس امين الجميل والنائب سليمان فرنجية، وكلام على شيء ما يجري التحضير رله على مستوى التقريب بين بكركي والنائبين ميشال عون وسليمان فرنجيه. كل ذلك جاء في ظل انطلاق مصالحة سعودية – سورية لم تبلغ نهاياتها بعد، وعودة الحرارة بين واشنطن ودمشق، والتحضيرات التي تحصل من اجل اعادة اطلاق دورة جديدة من المفاوضات السورية – الاسرائيلية تؤدي الى مفاوضات مباشرة في تركيا. وكل ذلك ايضاً في ظل الزلزال السياسي الكبير الذي ضرب ايران ولما يزل منذ الانتخابات الرئاسية الاخيرة. وكذلك في ظل تزايد الحديث عن حرب اسرائيلية ضد "حزب الله" قد تنشب في الاشهر المقبلة مقدمة لمحاولة اسرائيل قطع الذراع الايرانية في الجنوب اللبناني. وكل ذلك اخيراً في ظل التهافت على دخول الحكومة اللبنانية الجديدة ليجلس على الطاولة نفسها اعداء الامس حلفاء الغد وربما اعداء بعد غد…

منذ السابع من حزيران حكي الكثير عن سقوط شعارات الاستقلاليين، وقيل الكثير عن انتهاء الاستقطابات بين 14 و8 آذار؟
عندما بدأ النائب وليد جنبلاط حراكه السياسي لعقد هدنة جدية مع "حزب الله" ادرك انه مضطر عقب بوادر حمام الدم الدرزي – الشيعي الذي كان يرتسم في افق المواجهة، الى ادخال تعديلات على خطابه شكّلت صدمة في الوسط الاستقلالي وفي الوسط الدرزي في الجبل. فجرح غزوات الحزب في الجبل في ايار 2008 كان مفتوحاً على كل احتمالات الصدام المفتوح الدرزي – الشيعي. وبذل جنبلاط جهداً غير اعتيادي لحصر النار التي كانت تعتمل في صدور ابناء الجبل جراء الاعتداء الذي تعرضوا له، وافلح الى حد كبير في محاصرة النار التي كانت تهدد بالحرب المذهبية المفتوحة، وخصوصاً لدى من بقي "حزب الله" في ذهنه من ابناء الجبل مصدر تهديد يمكن ان يتجدد عند اي مفترق سياسي داخلي او خارجي، فبقي الحذر هو الاساس وترسّخت الهدنة.




في مرحلة لاحقة قيل ان جنبلاط، باستعادته خطاب سبعينات القرن الماضي عن العروبة وفلسطين وانتقاده شعار "لبنان اولاً"، صار "في منزلة بين منزلتين" كما نقل عنه قبل ايام. ولكن الثابت ان جنبلاط المستعيد خطابه القديم ما قال يوماً انه يفترق عن مبادئ "ثورة الارز". فكثيراً ما عدد منجزات هذه الثورة التي تحققت بدماء شهدائها وبنضال قادتها وجمهورها. فمن اخراج الجيش السوري من لبنان، الى احقاق العدالة بالنسبة الى القادة المنفيين والمعتقلين، فإنجاز المحكمة الدولية، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ونقل العلاقات بين لبنان وسوريا الى مستوى آخر بعد اقامة العلاقات الديبلوماسية، وصولاً الى تحقيق انتصار ثان للاستقلاليين في الانتخابات النيابية رسّخ خيارات ثورة الارز من دون ان يذهب الى حد اسقاط الخيار اللاإستقلالي الذي استمر قائماً اساساً بفعل امتلاك "حزب الله" السلاح من خارج الدولة وبحماية قوة استقطابه للوسط الشعبي الشيعي. كل هذه المنجزات كانت دون ما طمح اليه جمهور ثورة الارز لكنه مثّل مرحلياً حداً أقصى، قابله انجاز رئيسي حققه الفريق الآخر بفرض عرف "فيتو" التعطيل لـ"حزب الله" مداورة في الحكومة المقبلة (بما يشكل مقدمة لتعديل اتفاق الطائف)، وانتزاع اعتراف غير معلن بالامر الواقع الذي يمثله السلاح من خارج الشرعية عبر نقله الى طاولة حوار لا افق لها. ولكن هل ننسى ان الفريق الآخر، ولا سيما "حزب الله"، يتوق الى الجلوس مع من اتهمهم بالتآمر مع اسرائيل ضده حول طاولة واحدة في الحكومة؟ او ان الجنرال ميشال عون الذي اغرق البلاد بخطابات نارية عن فساد الآخرين يقاتل للانضمام الى حكومة يرأسها ابن "السلالة" التي توعد عون قبل اقل من شهرين باستئصالها من الحياة السياسية اللبنانية؟ واللائحة تطول…

في مطلق الاحوال، ثمة تبدل ولكنه لا يرقى الى تغيير حقيقي في المواقع. ففي المواقف المستجدة كثير من الحسابات الباردة، وكثير من التكاذب السياسي والطائفي. ووحدها حقيقة روحية ثورة الارز تبدو راسخة وعابرة لحواجز طائفية وحزبية.