إرث أوباما الثقيل – د مصطفى علوش




"القوم لم ينهض بباهظ حملهم
                                       إلا عظيم منهم وخطير
كم من عظيم قصرت خطواته
                                       فقضى على آماله التقصير"
                                                                 
                                                            الكاظمي




المحافظون الجدد

ظهر تعبير "المحافظين الجدد" في الأدبيات السياسية في أواخر القرن التاسع عشر للتعبير عن توجه جديد في حزب المحافظين، ووصف هذا التوجه سنة 1943 في احدى الصحف الأميركية التي قال فيها "دوايت مكدونالد: "المحافظين الجدد هم من يحاولون دمج الأفكار التقدمية في قالب المبادئ المحافظة

في سنة 1970عرف "مايكل هارينغتون" وهو يساري سابق، المحافظين الجدد بما يلي: "الاشتراكيون الذين تحولوا في عهد نيكسون الى اليمين، وهم، مع دعمهم للديموقراطية الاجتماعية، فإنهم كانوا يؤيدون سياسة الرئيس نيكسون الخارجية ومن ضمنها استمرار الحرب في فيتنام، وهم من مؤيدي سياسة الرعاية الاجتماعية مع بعض التعديلات التي يفرضها النظام الرأسمالي

بالمحصلة فهم مجموعة من الليبراليين الذين تحولوا من خلال الواقعية السياسية الى تطبيق سياسة محافظة مبنية على خلفية تجاربهم اليسارية والليبرالية عوضاً عن الإلتزام بالجمود والرجعية

وقد لخص جوناثان كلارك في "مجمع كارينجي لأخلاقيات السياسة الخارجية"، سياسة المحافظين الجدد بما يلي:

1 ـ تقسيم العالم بين خير وشر
2 ـ قلة إكتراث بالديبلوماسية
3 ـ الجهوزية الدائمة لاستعمال القوة العسكرية
4 ـ أحادية القرار للولايات المتحدة
5 ـ رفض التوافقات الدولية
6 ـ التركيز على الشرق الأوسط

أوباما والارث الثقيل

لا عجب ان يأخذ خطاب الرئيس "باراك أوباما" حيزاً واسعاً من الاهتمام في العالم، فسياسة الولايات المتحدة الأميركية تلقي عادة بظلالها على المسارات العالمية من اقتصاد وسياسة وأمن. ولا عجب ايضاً ان تكون البداية من مصر، وهي أحد أهم محاور العالمين العربي والاسلامي، فقد كان "صدام الحضارات" الذي اختصر بالصراع بين الاسلام والغرب، الشعار الذي ادار دفة الحروب والعنف اللذان حكما العالم على مدى ولايتي الرئيس الأميركي السابق جورج بوش

لم تأت قضية صراع الحضارات على خلفية المغامرة البن لادينية الكارثية، فالعدائية الايديولوجية لقيم الشرق الدينية، وأهمها الاسلام، ظهرت في معظم ادبيات المحافظين الجدد من سياسيين وحتى من رجال دين كانوا الداعمين الأهم لحكم الرئيس جورج بوش

والواقع هو ان جورج بوش وقع بشكل كامل تحت تأثير عقيدة المحافظين الجدد بعد الهجوم الارهابي الذي حصل في 11 ايلول 2001 وكان قد اخذ بهول الكارثة التي لحقت بالولايات المتحدة الأميركية

وقد ظهر التوجه الجديد لادارة بوش في ما صدر في ايلول 2002 في "استراتيجية الأمن الوطني للولايات المتحدة" وكانت تنص على الآتي: يجب وضع حد مواجهة التهديدات قبل انطلاقها حتى ولو كان زمان ومكان الاعتداء غير محدد او مدقق به، وهذا يعني ان على الولايات المتحدة ان تتحرك بشكل استباقي

وقد أتت هذه الوثائق مشابهة لما طرحه أحد كبار المحافظين الجديد "بول ولفوفيتز" سنة 1992 في اقتراحاته للسياسة الدفاعية لادارة بوش الأب

وقد صرح "وليم كرستول" (محافظ آخر) تأييداً لسياسة بوش الابن قائلاً: "العالم في حال فوضى مزرية، نحن نشجع الرئيس على التعامل مع الأمور بجدية الخطورة هي ليست في اننا لن نقوم بالشيء الكثير، بل انها في اننا قمنا فقط بالقليل!

بالمحصلة، فان هذه السياسة اشعلت عدة حروب مدمرة في افغانستان والعراق ومع ذلك فقد استمر التهديد الارهابي ولم يتقدم المسار الديموقراطي في العالم، وتردت صورة الولايات المتحدة في العالم على مختلف المستويات الأخلاقية والاقتصادية والسياسية، وتردت ايضا السطوة التي كانت تمثلها

الكارثة على الديموقراطية

والنتائج الأسوأ كانت على دعاة التحول الديموقراطي الذين تحولوا الى موقع الاتهام بتسويق سياسة القيادة الاميركية من خلال التسويق والدعوة للديموقراطية، وحتى ان منظمات وناشطي حقوق الانسان والحرية اصبحوا في نفس الموقع، وهذا بالطبع مما ادى الى انتكاسة كبرى على هذا الصعيد بعد ان تسببت سياسة الرئيس بوش بانكفائهم او انتقالهم الى مواقع دفاعية في مواجهة السلطات الحاكمة والتراث والموروث الديني والأصولي والقبلي في مجتمعاتهم. من المؤكد ان مسار الولايات المتحدة في عهدي الرئيس جورج بوش كان مساراً كارثياً على مكانة هذه الدولة العظمى نفسها، ولكن الضرر الأعم والأخطر فقد كان على انتشار مبادئ الديموقراطية والحق والعدالة والحرية التي كانت اساس معظم الدعاية الأميركية في السابق، فتحولت أخيراً الى مجالات للتندر والنكسات في أحسن الأحوال، وفي معظم الحالات فقد اصبح المنادون بها في موقع الاتهام بالردة وبالكفر وبالعمالة

فهل يصلح عطر اوباما ما افسده عهد بوش.