معركة الطعون المتنيّة: إما إسقاط المرّ وإما سقوط «الدستوري» – جان عزيز – الأخبار

بعد إقفال باب الطعون في نتائج الانتخابات النيابية أمام المجلس الدستوري، يفتح باب جديد، عنوانه إلقاء الضوء على مدى قدرة هذه السلطة الدستورية على الحياة وإثبات حقّها في ذلك. فالمعروف أن المجلس الدستوري الذي كان من الإنجازات الورقية الأساسية لاتفاق الطائف سنة 1989، ظلّ في جوارير عملية الانقلاب على ذلك الاتفاق أكثر من ثلاثة أعوام. ذلك أن انتخابات عام 1992، التي مثّلت مفصلاً أساسياً في ترسيخ نظام الوصاية وإقامة «ترويكتيه» اللبنانية والسورية، قضت بتأجيل إنشاء المجلس الدستوري إلى ما بعدها، وتحديداً حتى 14 تموز 1993، تاريخ صدور القانون 250/93 الذي سمح لمجلس الحكماء، كما يسميه الفرنسيون، برؤية النور.

غير أن الولادة الصعبة لم تلبث أن أعقبتها بداية أكثر صعوبة. فمع انتخابات عام 96، كان الامتحان الأول للمجلس، وكانت السقطة الأولى له.
يومها فرض على المجلس في باكورة أعماله أن يتحول أداة في أيدي «الترويكتين». قيل إن رفيق الحريري أراد الثأر لروبير غانم من هنري شديد، وعبره من تأييد حزب الله له. وقيل إن غازي كنعان «ركب» اللحظة لتسجيل حرتقاته في جبيل وعكار. فكان «الحكماء» في الخدمة، وصدرت أربعة قرارات بإبطال أربع نيابات وإعادة انتخاباتها. وفيما جاءت الاستحقاقات المعادة على حالها في ثلاث منها، «أقنع» غازي كنعان ـــــ بطلب من الحريري ـــــ جميع مرشحي البقاع الغربي بعدم الترشّح، ليعود غانم إلى الندوة النيابية.
عشية تلك السقطة، وقف رجل واحد عكس التيار. كان اسمه وجدي الملاط، وكان موقعه رئيساً للمجلس. رفض السير في التعليبة. قدم استقالته. قيل إن الحدث سيهزّ كل المجالس. في اليوم التالي، كان كل شيء هادئاً وطبيعياً في البلد الممسوك. جاء رئيس آخر للمجلس، واستمرت الحياة…
لم تمرَّ الهزة من دون دروس وعبر، فقرّر أوصياء «الترويكتين» عدم تكرارها. جاءت انتخابات عام 2000 ليشهد قلم المجلس الدستوري تسجيل 13 طعناً. ردّت جميعها من دون استثناء، وقيل إنها ردّت من دون الاستماع حتى إلى الطاعنين، كما يؤكد أكثر من واحد منهم. نجا المجلس من السقوط، فوقع في الجمود.




سنة 2002، تكررت التجربة المرة. فاز غبريال المر على ابنة شقيقه في فرعية المتن الشمالي. ثارت ثائرة ميشال المر. طرح الصوت، فلبّى المجلس النداء، بعدما سبقه إليه جمع كامل من القضاة والمحاكم العدلية. فعلى مرحلتين، بين 4 أيلول و4 كانون الأول، أقفل المر شاشة شقيقه، ثم أبطل نيابته. وكانت المفاجأة الكبرى إعلان فوز غسان مخيبر، في خطوة قيل إن مراجع كبرى، روحية وسياسية، غطّتها وأعطت بركتها المسبقة لإعلانها.
سنة 2005، تنبّه وليد جنبلاط إلى الأمر، فأصدر أوامره بشلّ المجلس طيلة أربعة أعوام.

أمس انتهت مهلة تقديم الطعون، وقيل إنها أقفلت على 18 طعناً، أبرزها في دائرة المتن الشمالي، ومحورها الأول ميشال المر، إذ أظهرت الطعون اتجاه هذه الدائرة إلى معركة «دستورية» ساخنة. المر تقدم عن خاسريه بخمس مراجعات، ركّزت على ادّعاءين اثنين: أولاً مزاعمه بشأن عدم قانونية الاقتراع في الأقلام الأرمنية. وثانياً اعتباره أن الأداء الإعلامي لمحطة أو تي في أسهم في خسارته، علماً بأن الحيثيات المقدمة، كما تشير معلومات أصحابها، تنطلق من تحريف واضح لأحد المحاضر القضائية، ومن اتهامات عنصرية للجماعة الأرمنية. أما الطعن المقدم في حق المر، فيستند إلى تسجيلات صوتية لم ينفها صاحبها، بشأن تهديده لناخبين، وسوء استعمال السلطة، وزجّ وزارة الدفاع في خدمة مصالحه الانتخابية. كذلك تستند إلى محاضر قضائية مقابلة وثابتة، تتهم المر بدفع الأموال لشراء الأصوات. المتابعون يرجّحون أن يسعى المر إلى الحصول على قرار من المجلس الدستوري بإلغاء نتائج العملية الانتخابية في دائرة المتن الشمالي برمّتها، مراهناً على إعادتها في أجواء أكثر ترجيحاً لتحالفه، فيما الوقائع الدامغة تشير إلى أن معركة الطعون المتنية ستكون أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما إسقاط المر، وإما سقوط المجلس الدستوري